شكّل يوم عاشورا يوما مدويا، فكان ذكرى دينية دلفت إلى الحضارة الإسلامية بعبق انتصارات الأنبياء ونجاح دعوتهم، إلا أنه سرعان ما اختلطت الأوراق الدينية والسياسية والمجتمعية لتضفي طابع شجن بسبب مقتل علَم النور الزكي الحسين بن علي عليه السلام في ذلك اليوم، ليغدوَ ذكرى مشحونة بما يثير الأمل والألم، فكما اكتنف نجاح دعوة الأنبياء كان لحظة عدوان دامٍ على سليل الأنبياء، وهو ما لا ينقل أصل مركزيتها لدى كل فرد مسلم بكل فئات المجتمع المسلم الذي تُمثل محبة النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته الأكرمين عنصرا رئيسا في رؤاه ومعتقداته، وهو الأمر الذي لا تستأثر به طائفة عن أخرى ويظل لصيقا في كل الشغاف لدى الجميع، ولعل من خير ما عبّر عن ذلك أدبيا قول الإمام الشافعي:
إن كان رفضا حب آل محمد .. فليشهد الثقلان أني رافضي
من معشرٍ حبهم ديـنٌ وبغضهـمٌ
كفر ٌوقربهـمُ منجـى ومعتصــمُ
حيث إن إيلاء صادق المحبة وقويّها لآل النبي (ﷺ) الأكرمين هو نقطة سواء على مهادها تلتقي الطوائف فتؤلّف المختلف في توجهاتهم وترفع الحدود ما بين الانقسامات التي لم يأت أصلا مشروع الحضارة الإسلامية ليمنحها تربة التشكل، غير أن أصل التوحيد والائتلاف ناهضته في التجربة البشرية نوازع وسبل الانقسام الخارجة على القواعد المبدئية فكان ما كان.
ولكن من أبرز ما يبقى جليا لا تطاله غوائل الزمان أن الحب المحمدي الذي يغمر نفوس المسلمين ينسحب بمدلوله العميق على آله الأشراف الذين تنافست شخصيات المجالات المختلفة في الذود عنهم واللهج بحبهم، فقال الفرزدق في المجال الشعري عنهم:
من معشرٍ حبهم ديـنٌ وبغضهـمٌ .. كفر ٌوقربهـمُ منجـى ومعتصــمُ
مقـدّمٌ بعـد ذكـر اللـه ذكرهـمُ .. في كِلّ بدءٍ ومختوم بـه الكـلـم
إن عـدَّ أهل التقى كانـوا أئمتهم .. أو قيل من خير أهل الارض قيل همُ
وكان الشاعر الكُميت بن زيد رائعا وهو يقول:
خَفَضتُ لَهُم مِنّي جَنَاحَي مَوَدَّةٍ
إلى كَنَفٍ عِطفَاهُ أهلٌ وَمَرحَب
إلى النَّفَرِ البيضِ الذِينَ بِحُبِّهم
إلى الله فِيمَا نَابَنِي أتَقَرَّبُ
بَنِي هَاشِمٍ رَهطِ النَّبِيِّ فإنَّنِي
بِهِم ولَهُم أَرضَى مِرَاراً وأغضَبُ
من هنا تغدو أي ذكرى لم تكن قادمة بتقديس جناب آل البيت، باعث شجى وأسى غائر في النفس، وداعي تضامن مكين، ولكن الفصل ما بين المدلول الديني لليوم والذكرى المرتبطة بسياق ما شهده بعدُ أمر يبقى كفيلا بحراسة المعنى التوقيفي لليوم
وعن مركزية هذا المنحى الشعري وعدم اقتصاره على الشعراء الذين شملتهم التصنيفات الفئوية، نجد قول أبي نواس:
قيل لي أنت أحسن الناس طرّاً .. في فنون من المقال النبيه
لك من جيّد القريض مديح .. يثمر الدرّ في يدي مجتنيه
فعلى مَا تركت مدح ابن موسى .. والخصال التي تجمّعن فيه
قلت: لا أستطيع مدح إمام .. كان جبريل خادماً لأبيه
فمن هنا تغدو أي ذكرى لم تكن قادمة بتقديس جناب آل البيت، باعث شجى وأسى غائر في النفس، وداعي تضامن مكين، ولكن الفصل ما بين المدلول الديني لليوم والذكرى المرتبطة بسياق ما شهده بعدُ أمر يبقى كفيلا بحراسة المعنى التوقيفي لليوم، أما تفاعليا فليس على ذي وجدان لوم أن يكون قلبه خفاقا لأفراح وأتراح من يوليهم المسلمون كل الوداد..
وعلى الدهر من دماء الشهيديْـ .. نِ عليٍّ ونجله شاهدان
فهما في أواخر الليل فجْـــ .. ران وفي أوْلياته قمران (المعري)
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.