20 عاما من الجهد والأموال الضخمة والعلاقات الدولية الأميركية وتريليونات الدولارات تبخرت في ساعة من نهار كأن لم تغن بالأمس، قبلها بأشهر كان الرئيس الأميركي جو بايدن مزهوا ببذلته الغربية وربطة عنقه الأنيقة يرد بكل ثقة على أسئلة الصحفيين في البيت الأبيض بالإجابة السلبية الحتمية الرافضة لسقوط كابل، مشددا على أن الجيش الأفغاني مسلح بأفضل الأسلحة وبغطاء جوي وبتعداد ضخم يصل إلى 300 ألف مسلح قادرين على مواجهة 75 ألفا من مقاتلي طالبان، ولم ينس بايدن أن ينفي في الطريق أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان ليس كانسحاب فيتنام.
وعلى الفور دعم تحليل وتقييم للمخابرات الأميركية رأي بايدن بأن كابل ربما تسقط خلال 6 أشهر، فتقوم قيامة البعض بأن هذا غير ممكن، والوضع مختلف عن كابل أيام سقوط الشيوعيين، ثم تتواضع المخابرات الأميركية في تقييمها فتقول ربما تستغرق العملية 3 أشهر لتصل بعدها إلى شهر ويبدأ العد التنازلي في التقييم الأمني الاستخباراتي ليصل إلى أيام معدودة.
أما السقوط فقد تم، وتبخر كل ما أقامه الأميركي خلال عقدين من الزمن، تماما كما وصفه من قبل أحد جنرالات بريطانيا الذين انسحبوا من أفغانستان في حرب 1882 فقال حينها "يعود هنا كل شيء إلى وضعه الطبيعي بعد انسحابك"، كان توصيفا دقيقا، عادت عقارب الساعة إلى 20 سنة للوراء، وعادت طالبان وعاد كل شيء إلى ما كان عليه، وصدق المثل الأفغاني "لديكم الساعة ولدينا الوقت والزمن".
تبخر كل شيء في يوم أو ساعة من نهار، دخلت طالبان كابل وتمكنت من بسط سيطرتها الأمنية والعسكرية على المقار كلها، ونجحت ربما في ما لم تحلم به من طرد كل الرموز العسكرية المعارضة إلى خارج البلد، لتنزع ورقة يمكن للدول أن تتاجر وتساوم بها، وهو ما افتقدته الحركة في حكومتها الأولى، وبدت الدول مذهولة من أميركا إلى لندن فباريس فطهران فموسكو ونيودلهي، فلاذ الكل بالصمت على أمل أن يفهم ما يجري، فالخلطة الأفغانية عصية على الفهم، وكما تداعت طالبان في عام 2001 بسرعة تداعى الأميركي والأفغاني الموالي لها بأشد سرعة.
فكل الدول لا تدري ما هي صانعة، والجميع متفاجئ، وأشد المتشائمين لم يكن يتوقع نهاية للعصر الأميركي بهذا الشكل السريع المتسارع المخزي، ولم تنس الصحف الأميركية تشبيه الواقع الأفغاني بفيتنام، وبدأ بعض الكتاب والمفكرين الأميركيين يتحدثون الآن عن تداعيات لحظة كابل على الداخل الأميركي وعلى مكانة أميركا الجيوإستراتيجية، تماما كلحظة سايغون في منتصف السبعينيات، وعقدة فيتنام، فبانتظار تداعيات عقدة كابل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.