شعار قسم مدونات

في فن التسويق للمؤسسات الصناعية..

التكنولوجيا العصرية فرضت نفسها اليوم في مجال التسويق بصورة غير مسبوقة (الجزيرة)

 

يخلط كثير من ممارسي الإعلام والعلاقات العامة ورواد التسويق بين طبيعة ما تلقوه من معارف وخبرات ومجالات تعليمية وأكاديمية وبين واقع الحياة التخصصية؛ فعالم التسويق العصري اليوم مليء بالمستجدات والتطورات على مستوى النظريات والبرامج والخطط التسويقية ومجالاتها وانعكاساتها على أرض الواقع وعلى طبيعة المؤسسات التي يتعاملون معها؛ وبالتالي على واقع الاقتصاد العام، وهي مسألة أحببت الوقوف عليها لتوضيح بعض المحطات العامة والفارقة في هذا الملف الحيوي والمهم.

إن التكنولوجيا العصرية فرضت نفسها اليوم في مجال التسويق بصورة غير مسبوقة، وباتت فنون التسويق بالصورة واللون والاسم والمشاهير وألوان الخطاب والمحتوى تشكل باعث تطور كبيرا في لغة الخطاب وتأثيراته على البيئات المختلفة، وهذا معناه بالضرورة أن ينعكس هذا الحجم الهائل من التقنيات والمنهجيات التكنولوجية على بيئة العمل وتأثيراتها المباشرة على الأسواق والمؤسسات والأشخاص، وتحديدا على التخصصية في مجالات الاستهداف التسويقي والبرامج والمخططات والمجالات التي يتم العمل عليها بصورة تتسم بالخبرة والمعرفة والتخصصية.

عالم التسويق الصناعي مغيّب عن فلسفة التخصصية بصورة واضحة بكل أسف، فهو مجال حيوي وقطاع مهم في الاقتصاد العام في أي دولة، ولكن حظ التسويق الاحترافي فيه معدوم أو يكاد، يدخل إليه رواد الإعلام وممارسو العلاقات العامة ليطبقوا فيه نظريات عامة، وبرامج غير مهنية ولا تخصصية، فلا هم يحققون المقصد من التسويق ولا هم أفادوا القطاع بتأثير إيجابي ينعكس عليه.

مهام التخطيط في التسويق الصناعي يمكن أن تكون محطة مهمة في تعزيز الاقتصاد وتسويق المؤسسات الاقتصادية والمواد الخام، بل وحتى رجال الأعمال المؤثرين والمبادرين ورواد الأعمال ومشروعات النجاح، وهذا يتطلب الفهم العميق قبل الدخول في مخططات التسويق لجوانب متعددة، كتحليل عوامل البيئة الخارجية والداخلية للمؤسسة، وبرامج تحليل السوق ودراسة المخاطر المحتملة، وتحديد الأساس المنطقي الاقتصادي للمفهوم المنفذ للشركة أو القطاع، وتشكيل خطة الإنتاج ومستويات الجودة فيها دراسة وتحليلا، وصولا إلى حسابات النتائج المالية المحتملة، وتحديد مصادر التمويل، فضلاً عن تحديد عدد من التدابير التي تهدف إلى تتبع التكاليف والنتائج المالية للإنتاج، حتى يمكن بعد ذلك احتساب الأثر المترتب على ذلك على الشركة ومدخولاتها وآثار المخطط التسويقي عليها.

إن الارتجال أمام هذه المعطيات يعد نوعًا من الانتحار الاقتصادي؛ فهذه بيانات ومعطيات تزاوج بين الإدارة العصرية ومجالات التسويق ومجالات النمو والارتقاء التي تشكل العمود الفقري لأي مؤسسة اقتصادية مهما كان حجمها أو مجال عملها، والقطاع الصناعي بقدر اعتماده على الخبرة والمواد الخام والعقول المبدعة، يحتاج اليوم برامج التسويق التخصصي التي تمزج بين هوية الشركة ومكانتها وبين صورتها النمطية في بيئتها الاقتصادية وبين مستقبل الشركة المتمثل في الهوية الحقيقية لها في المستقبل، من خلال التسويق الناجح لها في البيئة الداخلية والخارجية.

ولعل زهد كثير من المديرين في تعيين الخبراء في هذا المجال، ناهيك عن الاعتماد على المعارف وغير المختصين في مجال التسويق الاحترافي؛ يعد ضربة قاضية لعملية التسويق العصري، وسيرتد ذلك سلبًا على الشركة ذاتها وعلى مكانتها وسمعتها ومستقبلها؛ فعلم التسويق اليوم لا يركز على منتج ما، بقدر ما يركز على هوية الشركة ومكانتها وقدرتها على المنافسة الحقيقية في سوق العمل، وأي خلل في بيان صورة ومكانة وقدرة المؤسسة سيزعزع قيمتها ومكانتها ومستقبلها بشكل ملموس وأكيد.

لا ريب هنا أن العبارات الرنانة والمفاهيم العامة تغلب على كثير من موظفي العلاقات العامة أو العاملين في أقسام الإعلام في هذه المؤسسات، ولكن الحقيقة الملموسة أن التسويق لمنتج ما، أو البناء على العلاقات العامة غير المنضبطة في وجهتها ومساراتها سيجلب للمؤسسة الاقتصادية الخسران والتيه، ولن يحقق لها أي غاية مرجوة؛ فالقطاع الصناعي له سماته ومميزاته التي يختلف بها عن سائر القطاعات، ويحتاج لجهود وخبرات عقلية متخصصة يمكن لها أن تحقق المقصود الفعلي من الحملات التسويقية الموجهة والخاصة؛ بما يعود بالنفع على المؤسسة الحاضنة وعلى القطاع الصناعي بشكل عام.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.