شعار قسم مدونات

عجب عجاب السلطة الفلسطينية..

هل تقطع السلطة الفلسطينية علاقاتها بإسرائيل؟
هل تقطع السلطة الفلسطينية علاقاتها بإسرائيل؟ (الجزيرة)

 

سأحدثكم قليلاً عن تجربة شخصية وعن شيء عجيب جدا يجسد ما نسميه بالعجب العجاب، سأحدثكم عن السلطة الوطنية الفلسطينية، سنة 93 من القرن الفائت، تخرجنا من الثانوية العامة، وكان لي صديق مجتهد جداً وذكي في دراسته حتى أنه تحصل على درجة عالية في الثانوية العامة التي نطلق عليها هنا، التوجيهي، أذكر وقتها أن معدله كان 86% لكنه لم يتمكن من دخول الجامعة أو الكلية نظراً لفقرهم.

وأذكر أيضا أنه في بحر سنة 94 دخل أبو عمار (ياسر عرفات) رئيس منظمة التحرير الفلسطينية إلى فلسطين بعد اتفاقية أوسلو المبرمة دولة الكيان الصهيوني والتي من خلالها تم إنشاء ما يسمى اليوم السلطة الوطنية الفلسطينية، والتي كانت برئاسته أيضا وكان أساس وجودها التنسيق الأمني مع الكيان، رغم انقلاب أبو عمار على هذا الاتفاق آخر أيامه لكن لا يهم وليس هذا موضوعنا، لكن الشيء بالشيء يُذكر.

 

على كل حال في هذا الزمن بالذات بدأت تستقبل السفارة الفلسطينية بعمان مرشحين لمقابلتهم كي يلتحقوا بالأجهزة الأمنية الفلسطينية التابعة للسلطة هناك بفلسطين المحتلة، وكان وقتها يُشاع أن هذه الأجهزة التي سيلتحق بها مَن يتم الموافقة عليهم هي عبارة عن قوات من الشرطة، وقوات لحرس الرئيس وحرس بالمقاطعة في رام الله، لم نكن نسمع مثلا أنه سيكون هناك جهاز مخابرات أو جهاز أمن وقائي، وكان يشاع أيضا أن الرواتب ستتراوح بين 500 و600 دولار أميركي للفرد في الشهر، وهذا الرقم كان يعتبر كبيرا ذلك الزمن.

وأذكر أيضا أنه كان هناك شرط وحيد يجب أن ينطبق على المتقدمين للمقابلة، وهو أن يكون المتقدم مِن أصل فلسطيني يحمل الكرت الأصفر، أي يحمل الجنسية الأردنية لكنه مواطن في فلسطين المحتلة أيضا ويحمل تصريح احتلال ويستطيع الذهاب إليها وقتما شاء، لكن كان يخير هذا الشخص الذي تم الموافقة عليه بين خيارين أحلاهما مر، حيث إنه يجب أن يتنازل عن الجنسية الأردنية، كان الجانب الأردني يخبره بأنه إن حصل على جواز سفر فلسطيني فإنه سيفقد جنسيته الأردنية، وهذا هو ديدن العرب كما تعلمون، لا يمكن ولا بأي حال من الأحوال الجمع بين جنسيتين عربيتين، مستحيل وألف ألف مستحيل، رغم أنك قد تجمع بين جنسية أجنبية وعربية، تصور يا رعاك الله، هذا طبعاً من عجائب أنظمتنا العربية الخائبة التي لا نجد لها أي أساس.

المهم أن صديقي هذا يبدو أنه طمع براتب السلطة وذهب ليقابل في السفارة الفلسطينية بوادي صقرة في عمان عله يحظى بفرصة حتى لو تخلَّى عن جنسيته الأردنية في سبيل تحويل راتبه هذا لأمه كي تنفق منه على إخوته، وبعد ذلك يحلها ألف حلَّال، على قَولة أهل بلاد الشام، أذكر وقتها أيضا أنني وصديقا آخر لنا ذهبنا معه يومَ المقابلة، وبالفعل دخل إلى السفارة وبعد نصف ساعة تقريبا خرج يجر وراءه خيبة الأمل، فسألناه مستغربين ما الذي حدث؟ جلس متنهدا وقال إنه حين أتى دوره في المقابلة دخل إلى مكتب أحدهم مع 3 مرشحين آخرين حين وجَّه إليهم 3 أسئلة لا غير، السؤال الأول: مَن منكم يعرف سورة الإخلاص؟ الثلاثة لم يجيبوا، وأجاب صديقنا، السؤال الثاني، مَن منكم يعرف سورة الفلق؟ الثلاثة لم يجيبوا وأجاب صديقنا، السؤال الثالث مَن منكم يعرف ما معنى جريدة بالإنجليزي؟ الثلاثة لم يجيبوا كالعادة وأجاب صديقنا الذي طار فرحاً، ثم طلب من هؤلاء الثلاثة الذين لم يتمكنوا من الإجابة عن أي سؤال من هذه الأسئلة البسيطة بالدخول من باب، وطلب من صديقنا بالدخول من باب آخر ليجد نفسه في النهاية على درج يؤدي به إلى الشارع، لكنه أخبرنا أنه أعتقد في البداية أن في الأمر خطأ ما حين عاد مرة أخرى إلى مكتب ذاك "الأحدهم" ليجد عسكريا من جيش التحرير الفلسطيني يقف على باب مكتبه من الخارج فأوقفه العسكري وسأله ما الذي يريده؟ فأخبره بالذي حدث معه للتو وأنه متأكد بأن خطأ ما حدث، لكن العسكري أخبره بأنه حين طُلب منه الخروج من هذا الباب فهو يعني أنه مرفوض ورسب في الاختبار، أما الثلاثة الآخرون فقد تمت الموافقة عليهم حين طُلب منهم الخروج من الباب الآخر، لكنهم بالأصل لم يخرجوا بل ذهبوا إلى مكتب آخر كي يُكملوا إجراءات توظيفهم، هذا ما أخبره به العسكري.

 

الشيء العجب العجاب أعزائي أن سلطة وليدة لشعب ناضل وعانى من نير الاحتلال والظلم والقهر والتنكيل، كيف أدرك موظفوها الكبار ومسؤولوها مثلا أن منتسبي الأجهزة الأمنية الذين يجب أن يختاروهم لابد أن يكونوا على درجة هائلة من الغباء والبهيمية والتغييب كيف عرفوا هذا ولماذا؟ ومِن أين جاؤوا بهذه الخبرة؟ هذه الخبرة الأعرابية البحتة، فهذا ديدن أنظمتنا العربية الخائبة، فكل أجهزتها الأمنية وجيوشها مغيبة ومعدة فقط لحماية النظام على حساب كل شيء، ولم نسمع لها وظيفة أخرى ولن نسمع، لكن لماذا كافأنا الله بهذه السلطة العميلة وبأفرادها الأغبياء البهيميين الذين يشبهون فيما يشبهون كلاب الراعي التي تطيع بلا أي معنى أو هدف، هي تطيع فقط للطاعة بحد ذاتها لا أكثر، لماذا رزق الله الشعب الفلسطيني بهؤلاء البهيميين بعد هذا التاريخ النضالي وبعد هذا الظلم الذي تعرضوا له من الصهاينة، من المؤكد أن هناك خطأ ما أعزائي، فمكافأة هذا الشعب بهذه السلطة المطعبة خطأ وهو أمر دُبِّر بليل، فهذه النتيجة عكس الطبيعة وعكس نواميس الكون، كيف لشعب كالشعب الفلسطيني أن يُكافأ بسلطة لا تعدو كونها نسخة سيئة ورديئة وهابطة عن أنظمة عربية فاشلة قضت على شعوبها ومواردها وكرامتها وإنسانيتها؟ كيف؟.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.