شعار قسم مدونات

إعلاميون ظرفاء..

اجتهد هذا المذيع الذي وضع صورة له في مقدمة أفلامه، عاقدًا يديه على صدره أسوةً بإعلاميين عرب (مواقع التواصل)

 

المذيع الزعيم/المذيع كردي، له برنامج في فضائية كردية، الفضائية جديدة، لم يسبق للكردي أن ظهر على التلفزيون، ثم صارت له فضائية يسرح فيها ويمرح، واللحظ يجرح. البرنامج أدبي، يجلس الفارس واضعًا ساقًا على ساق، "فيما هو الفارياق"، كأنه يصطاف على البحر، لكن من غير مظلة، في عدّة وهيئة حرص عليهما أشد الحرص؛ قبعة توفيق الحكيم، شارب سلفادور دالي، لكن الشارب في مكان الحاجبين! الحاجبان معقوفان إلى الأعلى مثل مقود الدراجة، 3 نظارات؛ نظارة على العينين، ونظارتان تنوسان على الصدر كالقلائد للنظر والحكمة وقراءة المستقبل، الإضاءة في البرنامج خافتة، كأنّ المذيع مقبل على فيلم رعب، وهو يتحدث ببطء كأنه واعظ في كنيسة أو شاعر يلقي تحية الوداع في برنامج "غدًا نلتقي"، أمامه ضيف كردي شاعر يكتب بالكردية، الشاعر الضيف سعيد بالمقابلة الظافرة، الضيف يستخدم يديه في مؤازرة لسانه كأنه يشرح درسًا للصم والبكم، أو كأنه يقاتل، أو يدفع سهامًا خفية. يريد الضيف أن يقول بالصوت والصورة للمشاهدين إنه ظهر في التلفزيون.

وجدت هذا المذيع مرة يزور المقاتلين لرفع معنويات أرواحهم الهندسية. الأميركان استعملوا النجوم في رفع الروح المعنية للمقاتلين في فيتنام، والنظام السوري شرّف جيشه بزيارة سلاف فواخرجي، لكن هي المرة الأولى التي أجد فيها مذيعا بلغ هذا القدر من النجومية المحسودة.

نعود إلى مذيعنا وهو على كرسي البحر في الأستوديو مسترخيًا كأنه في فيلم من أفلام المافيا، لا ينقصه غير هرّة في حجره، يمسح ظهرها ويأمر باغتيال خصومه من العصابات المعادية.

إعلان النفير

استعملت فضائية عربية في برنامجها الكردي مراسلين كردا، بينهم مراسل غاضب دومًا، ينقل رسائله محاربًا، هاتفًا، هادرًا مثل مروان شيخو في خطب الجمعة وإعلان وفاة الأسد، أو أحمد سعيد في التعبئة. علّق صديقي المصري ونظر إلى المشهد معي فقال "هو بيعمل كده ليه؟

قلت متهربًا من الجواب: يعمل إيه ولا مؤاخذة؟

قال: كأنه بيعلق على مباراة؟

تهربت من التعليق.

قال: ده الموز بتعاكم؟

قلت: ده الموز بتاعنا، أحمر، وله شراشيب من تحت".

كردستان على الجودي

يبدو أن هذا الإعلامي مذيع في فضائية ما، فهو يبثّ أفلامه على يوتيوب من أستوديو، وهو يبثّ بالعربية، وأفلامه قليلة الأخطاء، والإخراج حسن، لكنه فكيه ظلمة مقتدر، فهو يكتب عناوين الفيديوهات بالعربية طورًا، وبالحرف اللاتيني طورًا، يبدو أن غريب الأطوار لم يحسم أمره، وهذا تناقض غير محمود، وهو مختلف عن بقية المذيعين الكرمانج، فكلهم يساريون، وهم يساريون إمبرياليون بعد سقوط موسكو، وهو لا ينكر دينه كما يفعل كرد أوجلان التقدميون، لا يكون الكردي تقدميًا إلا إذا اعتنق دين الحداثة، وآمن بعشتار ربّة جديدة، وكانت ربّة للزراعة؛ قمح وشعير وعدس.

اجتهد هذا المذيع الذي وضع صورة له في مقدمة أفلامه، عاقدًا يديه على صدره أسوةً بإعلاميين عرب في الفضائيات التي تكاثرت كالفطر، وهي هيئة مأخوذة من ملصقات أفلام أميركية كوميدية أو بوليسية، وعاتب المسلمين العرب وجهد في إقناعهم بأنهم يكيلون بمكيالين، وأن كردستان مقدّسة مثل فلسطين، وأن المسلمين يعتمدون 3 معايير في تقديس فلسطين، وهم ظالمون؛ أولها أن أهل فلسطين مسلمون وأهل كردستان مسلمون أيضًا. والثاني أن فلسطين مهبط عدة رسالات، وهي أرض الإسراء والمعراج، وكذلك كردستان مهبط عدة رسالات أيضًا، نوح وإبراهيم ويونس ودانيال عليهم السلام، بل إن أنبياءها أكثر من أنبياء فلسطين. وتغافل المذيع الأريب عن الإسراء والمعراج، وعن الزمن، وعن اليهود.

والسبب الثالث أن كردستان مباركة، وفيها أيضًا يهود ومسيحيون ومسلمون مثل فلسطين، وحاول أن يثبت أن كردستان مقدسة بآية من القرآن الكريم، وهي دعاء نوح عليه الصلاة والسلام: (وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ) لذا فإن جبل الجودي الذي رست عليه سفينة نوح مقدسٌ، وأعلمنا أن الكرد يقدسونه، ولم أكن أعلم، وزاد فذكر أن حديثًا شريفًا صحيحًا ذكر أن نهر الفرات ينبع من كردستان، وهذه زيادة على فلسطين فليس فيها أنهار مقدسة، وخشيت أن يقول إن في كردستان كعبة كردية وقد أنشئت فيها كعبة، وبها ماء زمزم، ولقوم من الكرد مصحف اسمه مصحف "رش"، واسم المصحف ليس من عندي، فهذا هو اسم كتاب مقدس عند بعض ملل الكرد، وخشيت أيضًا أن يذكر اسم "زردشت" بين الأنبياء، كما يقول بعض الناشطين الكرد، فلم يفعل لله درّه.

مذيع النحنحات

مذيع كرمانجي يرتدي زي البشمرجة مكويًا كيًّا يقطع رقبة الجمل، اختصاصه محاورة زعماء روج آفا وقادتها، لكنَّ به عيبا وهو أنه يسعل كثيرًا، قصباته الهوائية تنفجر على الهواء مثل مفرقعات العيد، وهو يحاول تجنب السعال بإخماده بالنحنحة وتسليك مجاري الهواء، فيزيد الطين بلة والأثير غبارًا، والزعيم الكردي غليظ الشارب يجيب على كل "الأسعلة" في سماحة ليس لها نظير، ولهما -الزعيم والمذيع- معجبون يفيضون عليهما "باللايكات الحمراء" الدامية من أثر السعال الديكي.

صيّاد الأسود

نعود إلى المذيع الأول على الساحل، فقد روى لي صديق كردي أن المذيع الأول زار يومًا عامودا مسقط رأسه، ومشى متبخترًا في شوارعها المنخورة، تتدلى منه نظاراته الكثيرة وكاميرا لها سبطانة، توقف فجأة في الشارع، وأقعى، يصور شيئًا عثر عليه، ثم جثا على ركبة واحدة كي يسدّد قذيفة الضوء إلى الهدف، ثم عدّل هيئته من غير رضا، لكنه أطلق الضوء أخيرًا على الأسد الشبح، واعتدل ماضيًا في شممٍ وإباء، وهو يسحل جثة الأسد الخفية التي اصطادها، مثيرا وراءه زوبعة من الغبار والنجوم.

إعلام كردستان الجنوبية أفضل بكثير، لقد كانت أربيل العاصمة، وكردستان سوريا وتركيا أطرافا ومناطق نائية.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.