شعار قسم مدونات

من يسد الثغور؟

غزة - يونيو حزيران - 2015 رمضان- عنصر من كتائب عز الدين القسام أثناء يرابط على أحد الثغور القريبة من الاحتلال
غزة - يونيو حزيران - 2015 رمضان- عنصر من كتائب عز الدين القسام أثناء يرابط على أحد الثغور القريبة من الاحتلال (الجزيرة)

 

جسد الأمة أصبح مهلهلًا وممتلئًا بالثغور، لأن كل فرد من أفرادها تخلى عن واجبه وعن دوره في النهوض بهذه الأمة، وتقصير الأفراد كانت نتيجته الحتمية هي حالة الضعف والهوان والذلة التي تعانيها الأمة اليوم، وهناك مقولة رائعة لو عمل بها كل فرد من أفراد هذه الأمة لتغير حالنا إلى الأفضل، وصرنا في موضع القيادة والريادة كما كنا في السابق، وهذه المقولة هي:

أنت على ثغر من ثغور الإسلام فلا يُؤتين من قبلك،

وما أكثر الثغور التي تحتاج إلى من يسدّها ويقوم على أمرها.

 

كثُرت الثغور فمن لها؟

الثغور التي تحتاج إلى من يسدّها كثيرة ومتعددة يأتي في مقدمتها الثغر الفكري، وهذا الثغر يحتاج إلى من يسده من العلماء والمفكرين والدعاة وذلك بنشر القيم والمفاهيم الإسلامية الصحيحة ومواجهة الغزو الفكري الذي يأتينا من الخارج ومن الداخل أيضًا، فهناك من بني جلدتنا من يتبنّى المفاهيم الغربية ويعمل جاهدًا على نشرها في المجتمعات العربية والإسلامية ويفضلها على المفاهيم والقيم الإسلامية ويزعم أن تبنّي المفاهيم والقيم الغربية هو الطريق الوحيد للنهوض.

ومن الثغور التي ينبغي أن نعتني بسدها ثغر التعليم والبحث العلمي، وذلك بالاهتمام بالتعليم في جميع مراحله، وتشجيع البحث العلمي وتوفير الدعم اللازم له، وتشجيع الباحثين على إجراء بحوث تطبيقية تُسهم في حل المشكلات الكثيرة التي تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية.

ومن الثغور التي تحتاج إلى من يسدها الثغر الاقتصادي، وسد هذا الثغر يقع على كاهل رجال الفكر الاقتصادي بإجراء الدراسات والبحوث في مجال الاقتصاد الإسلامي، ويقع على كاهل رجال الأعمال وأصحاب الأموال والشركات بالابتعاد عن الربا وتجنب التعامل مع البنوك الربوية، واستثمار أموالهم في الدول العربية والإسلامية وفي القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية، وذلك من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الضرورية وترك الاعتماد على الآخرين في استيراد ما نأكل وما نلبس وما نركب.

ومن الثغور التي يجب أن نوليها قدرًا كبيرًا من الاهتمام الثغر التقني والصناعي وبخاصة صناعة الأدوية والأسلحة لأننا تخلفنا في هذا المضمار وسبقنا فيه الآخرون بمراحل طويلة، وسد هذا الثغر يتطلب إعداد كوادر مؤهلة للعمل في القطاع الصناعي، وهذا الأمر يمكن تحقيقه بالدراسة العملية والتدريب الجيد وتشجيع الشباب على الابتكار والاستفادة من الخبرات الأجنبية، والعمل على توطين التكنولوجيا وعدم الاكتفاء بنقلها.

ومن الثغور المهمة والحديثة التي يجب العمل على سدها ثغر برامج الحماية الإلكترونية لأن الاعتماد على برامج الحماية الأجنبية له مخاطره المتعددة وفي مقدمتها فقدان سرّية المعلومات والبيانات الحساسة، وسد هذا الثغر يتحقق بتأهيل الكوادر في مجال تقنية المعلومات، وبتشجيع ودعم شركات البرمجة العربية وحثها على تطوير برامج الحماية.

 

الفروض الكفائية وسد الثغور

سد الثغور التي تسرّب من خلالها الضعف والخور إلى نفوس أبناء هذه الأمة يتحقق بأداء الفروض الكفائية التي تجب في حق البعض ويأثم الجميع بتركها، وقد فرّط المسلمون في هذا العصر في كثير من المجالات المهمة والحساسة وتركوا الريادة والتميز فيها لغيرهم.

وسد الثغور يتطلب صفتين رئيسيتين هما: الأمانة والإحسان في أداء العمل، فكل فرد من أفراد الأمة مطالب بأن يؤدي العمل أو الأعمال الموكلة إليه بأمانة وأن يؤديها بإحسان وإتقان، وهاتان الصفتان من الصفات التي حرص الإسلام على غرسها في نفوس المسلمين فالأمانة قرينة الإيمان، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: خَطَبَنَا رَسُول اللَّهِ، فقال في الخُطْبة:«لا إيمانَ لِمَن لا أَمَانَةَ لَهُ، وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ». (صحيح ابن حبان: 193).

والإحسان مطلوب في جميع الأمور فعن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه، قال: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: «إنَّ اللّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ. فَإذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ. وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ. وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ. فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ». (صحيح مسلم: 5011).

وعن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إِنَّ الله يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ». (صحيح الجامع: 1880).

والدافع إلى قيام كل فرد من أفراد الأمة بواجباته على أكمل وجه هو الأخوة في الإسلام ووجوب النصيحة للمسلمين والقيام على ما يصلح أحوالهم بالقول أو الفعل. يقول الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. سورة الحجرات: 10.

وعن تميم الدراي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لله وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». (صحيح مسلم: 159).

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:«مَنْ لاَ يَهْتَمُّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يُصْبِـحْ وَيُمْسِ نَاصِحاً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلإمَامِهِ، وَلِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ». (الترغيب والترهيب: 35/3).

واهتمام المسلم بأمر المسلمين يدفعه إلى الحرص على كل أمر فيه خير ومصلحة للمسلمين، وما أحوج المسلمين اليوم إلى أن يصبح كل مسلم جنديًّا يدافع عن الإسلام ويرفع رايته في المجال الذي يعمل فيه.

 

وعندما يشعر كل فرد في المجتمع الإسلامي بأن عليه واجبًا تجاه الإسلام وتجاه إخوانه من المسلمين ستتغير أوضاع المسلمين ويصير حالهم أفضل مما هو عليه الآن، يقول الله عز وجل: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}. سورة الرعد: 11.

فليقم كل منا على ثغره، ويحسن أداء عمله، وليسدِ النصح إلى غيره، حتى نستعيد عزتنا ومجدنا وننهض من جديد.