شعار قسم مدونات

تجربتي مع مرض السرطان.. (3)

التغذية السليمة تعمل على تعزيز علاج السرطان من خلال حماية المريض من الإصابة بسوء التغذية. (النشر مجاني لعملاء وكالة الأنباء الألمانية “dpa”. لا يجوز استخدام الصورة إلا مع النص المذكور وبشرط الإشارة إلى مصدرها.) عدسة: dpa صور: ZoneCreative/Westend61/dpa
التغذية السليمة تعمل على تعزيز علاج السرطان من خلال حماية المريض من الإصابة بسوء التغذية. (وكالة الأنباء الألمانية)

 

كنتُ قد تحدثت إليكم في المقال الأول عن بداية تجربتي الشخصية مع مرض السرطان وأسباب النقلة النوعية للوصول للتغيير الواعي عن قناعة من خلال البحث والفهم، وكيفية تشكيل الرؤية الواضحة عن هذا المرض وأسبابه. وفي المقال الثاني تحدثت إليكم عن طبيعة الجسد الذي خلقه الله تعالى بتكوين مُبدع يدل على حكمته وعظمته، وأنَّه بالرغم من وجود صحوة في المجال الصحي للوصول إلى التغيير الواعي فإنَّ هناك محاولات ممنهجة للتعتيم عن الحقائق التي أنشأتها العلمانية الحديثة من خلال صناعة الحياة المدنيّة المُهلكة.

 

وفي هذا المقال سأتحدث إليكم عن جانب آخر من تجربتي:

الوعي نحو التغيير بالعلم مع الفهم

من خلال عمق الابتلاء في تجربة المرض.

الدنيا دار اِبتلاء، وكلُّ اِبتلاء يهيئنا لابتلاء آخر أعظم في معناه، أبلغ في مراد الله تعالى منه؛ ليُربينا الله تعالى ويصنعنا على عينه، كما أنّ الابتلاء الحقيقي هو ما يمسّ الإيمان، فيُبتلى المسلم من ضعفه الذي يمسّ إيمانه؛ ليقويه إيمانياً. وقد يكون الابتلاء بالخير أو الشر، ليُمتحن الإنسان في حقيقة الشكر أو حقيقة الصبر، وهذا ما أدركتُهُ عندما تدرجْتُ بالابتلاءات حَتَّى أُصِبتُ بمرض السرطان؛ الذي أتعب فكري وروحي وجسدي.

إنَّ الابتلاء يكشف الغطاء عن عمق الضعف في علاقاتنا بالله تعالى أو القوة فيها، ومدى هشاشة علاقاتنا بدواخلنا -أنفسنا- أو صلابتها، ومقدار زيادة ضغط حمولة العلاقات بالآخرين أو خِفتها، ومتى ما أدركنا ذلك حتى يتفضَّل الله الرحيم عليّنا بالمدد منه، فنستعين به على ترتيب أولياتنا، ولقد أنعم الله تعالى عليّ بمرض السرطان؛ ليتعافى لي الفكر والروح والجسد معاً، فيتحقق ما يُريده الله تعالى من وعي نحو التغيير في محاولة للوصول إلى النفس المطمئنة برضىً وتسليم.

إنَّ ألطاف الله تتنزل قبل الابتلاء وأثناءه وبعده، فمن أعاجيب قدر الله ولطفه أن ابتليتُ بهذا المرض بعد أن تيسرت ظروف معنوية ومادية لي في جميع المجالات أهمها وجود سند أخوي حقيقي في محل غربتي، كما بدأ المرض معي في شهر رمضان وأنا في علاقة مع الله تعالى مطمئنة، وأيضاً أكملتُ دراسة الدكتوراه وأنا بكامل صحتي وعافيتي، فبعد شهر من مناقشتي لرسالة الدكتوراه أصبت بالمرض، وكأنَّ حال لساني يقول لي "أعيدي ترتيب أولياتك بما اِمتلكتِ من معطيات، والمُلك لله تعالى وحده، فأنتِ لا شيء والله كلّ شيء".

كم تكون الحيرة مُجهدة في التفكير عند اِتخاذ أيّ قرار مصيري، فكيف عندما يكون هذا القرار في مجال لا علم لي به، ويأخذني عكس التيار الذي يسير عليه الجميع؛ فتظهر الصعوبات والعقبات عند المسير في تطبيق هذا القرار، لِتبقى النفس الإنسانية مضربة التفكير، وفي قلق مستمر، وجسد ضعيف مُتألم -ولو مع القناعات الموجودة لديها- حتّى تصل النفس إلى النتائج الذي تترقبها من خلال عمق التجربة، فتطمئن النفس وتسكن.

هناك معانٍ مؤلمة مُبطنة بمعاني أخرى جميلة وعميقة من الحِكم الجلية والخفية من مُراد الله تعالى لكلّ أمر مهما كان، لِتتجلى لنا حكمة الله برحمته ولطفه وصمديته وقدرته عند الضعف وقلة الحيلة والهوان على النَّاس، كما تتجلى معانٍ أخرى كالصبر والمصابرة والمرابطة، وأيضاً وضوح معنى الاستيئاس ممن حولك لتتجلى صمدية الله الرحمن؛ إذ اليأس لا يكون من المنهج السليم، بل يظهر الاستيئاس ممّن هم حولنا في الدعم والاتباع، وما إن تجلت نتائج التجربة لديهم تنبهوا إلى أهمية الوعي في البحث عن الحقائق في المنهج السليم في كلّ جانب من جوانب حياتنا، ثم أدركوا أهمية فهم المنهج حتى يتم التغيير عن دراية، فكانت تجربتي منحة من الله تعالى؛ لتكون حافزاً لي في البحث عن حقيقة مرض السرطان، وفهم المنهج الرباني في التشافي الفطري والمنهج الوضعي والمقارنة بينهما بالبرهان والدليل مع صعوبتها.

 

كثيرة هي الأقاويل والمغالطات والتناقضات حول مرض السرطان من حيث إنه مرض قاتل ولا أمل في الشفاء منه، وإنَّ مرض السرطان جيني وراثي، ولا توجد حلول له إلا من خلال استخدام الثالوث الطبي؛ العمليات الجراحية والجرعات الكيميائية والجلسات الإشعاعية، وإنَّ الحِمية الغذائية قد تكون للوقاية وليس للعلاج، وإنَّ حمية الطعام لا دور لها في العلاج ولا الوقاية، وهذا ما كنت أتلقاه من أصداء أقوال الأطباء المتكررة أثناء تجربتي العملية، مثل "الأعراض عندك من طبيعة جسدك، لو لم تبدئي العلاج التقليدي (الكيميائي) فوراً ستموتين من خلال 3 أشهر، نجاح العلاج التقليدي الكيميائي بمعدل 4 سنوات، تستطيعين أن تأكلي أيّ شيء تريدينه حتى تتقوي على العلاج الكيميائي حتى لو كان الأكل السريع، لا تستخدمي الأعشاب والمأكولات التي تضرّ بفعالية العلاج الكيميائي، مرض السرطان وراثي جيني" وما إلى ذلك من الأقاويل التي تهدم منظومة التشافي الرباني الفطري التي منحها لنا الله سبحانه وتعالى، وتخلّ بمنظومة الصحة والتشافي من ناحية علمية.

خالفتُ الآخرين في المنهج جملةً وتفصيلاً، فنعتوني بالجهل والعناد والجنون فاستيأستُ منهم، فهل لك أن تتخيل أيها القارئ الكريم كيف يكون ذلك عندما يكون من حولك ضدك، وهم الذين من المفترض أن يدعموك ماديًّا ومعنويًّا، فكان هذا العائق قد اِنتصب أمامي كالطود العظيم، إلَّا أني سرت -بعون الله وفضله وكرمه- للآخر، مع وجود العثرات والسقطات المستمرة، فليس الفشل في أن تسقط، وإنما الفشل في أن تستسلم.

 

كانت البداية صعبة جدًّا، من حيث تغيير القناعة من ناحية، ووقوعي في أخطاء لم أكن لأفهمها إلا بالتجربة، ومن الأخطاء التي وقعت فيها؛ مثلاً: قد عملتُ مثل الشخص العاميّ الذي لفق بين المذاهب دون علم ودليل، فكانت ليّ سقطات بعضها كانت على مشارف الهاوية، ومن الأخطاء أيضاً عدم فهم ردة فعل العلاج (الأعراض الانسحابية) (Healing reaction) مما أدى إلى سوء في التعامل معها، إذ إنِّ كلّ علاج له مضاعفات وآثار، قد تكون مضاعفات وآثار إيجابية أو سلبية، ولذلك من المهم لكلّ إنسان أن يفهم المنظومة قبل أن يحكم على الأمر سلبًا أو إيجابًا، وكلٌّ بحسب فكره وإيمانه بالقناعات المؤمن بها علميًّا، كما هو حال الإيمان، فلا تكفي النية في السير في خضم المسير، إذ لا بُدّ مع النية من منهج صحيح وسليم للوصول إلى الهدف المنشود.

الوعي نحو التغيير لابدّ يكون منهجاً عملياً في جميع المناحي والمجالات، لينقلنا من الوعي الفردي إلى الوعي الجمعي، ومن ذلك جانب الصحة؛ التي تحمل المدلول الشامل، ابتداءً من "الوقاية خير من العلاج" والتي هي مقولة تُنبئنا بصحة أفضل من خلال المحافظة على الطعام النوعي الصحي ونظام الغذاء السليم، للوقاية من العديد من الأمراض سواء السرطان أو غيره من الأمراض المزمنة المستعصية، فعدم التعرض للأمراض أفضل بكثير من البحث عن العلاج. ولذلك؛ فإنَّ أهمية اِتباع النظام الغذائي السليم المتكامل سواء في حالة الصحة أو المرض له المكسب الحقّ بعد الإيمان، إذ إن الثروة الحقيقية للنفس الإنسانية هي الصحة بمفهومها العام الشامل المُتكامل.

 

وبعد أن منَّ الله تعالى عليّ بالشفاء بقيَ نظامي الغذائي السليم المتكامل هو منهج حياتي لجسم صحي سليم ونفسية طيبة متفائلة بشكل شامل، إذ إنَّ صحة الجسم تنعكس على صحة النفس، وذلك من خلال انتهاج منهج الأنبياء والصالحين في التفاؤل ومحاولة إبقاء النفس في إيجابية فاعلة، وتناول الأطعمة الغنية بالخضراوات والفواكه، وكفاية شرب الماء والنوم النوعي الكافي، واتباع الحركة المستمرة، وعمل فحوصات دورية؛ لمعرفة أي نقص في العناصر الأساسية؛ لتعويض الجسم بما ينقصه منها.
يتبع..

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.