شعار قسم مدونات

آلاء الصديق .. حين يكون الرحيل خلودا

الناشطة الإماراتية آلاء الصديق (مواقع التواصل الإجتماعي)

 

لا يُفارقني وجه هذه الفتاة الصبوح وعيناها اللتان تنضحان بالبراءة الخالصة، تُحاصرني صورها المُرفقة مع رثاء محبيها لها، نظراتها المملوءة بالأنفة والشموخ التي تكسوها قوةً وثباتًا، روحها المُتوثِّبة التي تعلو بالحق على كل شانئيها، مُتمثِّلةً قول أبي القاسم الشابي:

سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعداءِ .. كالنَّسْر فوقَ القِمَّةِ الشَّمَّاءِ

يتداعى صدى صوتها وضحكاتها التي اختزنت في ذاكرتي من متابعة يومياتها، أسمع شِعرها بصوتها الهادئ العميق، أقرأ رسالتها لوالدها التي خطَّتها له بمداد الشوق والألم، وتدوينتها التي تقطر عذوبة ورقة وتشفُّ عن قلبٍ مُتَّقِدٍ بالإيمان؛ فتفتُّ كلماتها في فؤادي، أتأمل حياتها العريضة التي كرَّستها في سبيل الحق سعيًا إلى أن يُرفرف لواؤه عاليًا وأن ينعتق كل مظلوم من أسر الطغيان؛ فأغبطها على هذه السيرة والمسيرة الطيبة.

تُزلزلني غمامة الفقد التي تغشى عيون إخوتها المُعلَّقة بجسدها المُسجَّى أمامهم، حروف إخوتها وأصدقائها وفراغ قلوبهم كمدًا عليها، جنازتها المَهيبة التي احتشد لها الناس وهم وقوفٌ بقبرها يذرفون الدمع وألسنتهم تلهج لها بالاستغفار محبةً ووفاءً.

وارى جثمانها الثرى وقلوبنا تحفُّها بالدعوات، وعزاؤنا أنها مضت إلى ربٍّ كريمٍ، على أمل اللقاء في دار أخرى حيث لا فراق، في مَقعد صدقٍ عند مليكٍ مُقتدرٍ، وما أعظمه من سلوان!

 

 

رحلت عن عالمنا وضربت لنا مَثَلًا في أن الحق لا مساومة فيه، ومهما كلَّف المرء من أثمان فإنه يبذله راضيًا مرضيًّا يقينًا في وعد الله وجزائه، رحلت وتركت بصمتها التي لا تُمحى على جبين الأيام وفي نفوس الأنام، إذ ليست الحياة بعدد السنين، بل بشرف المواقف ونُبل القضايا، وإني لأرجو أن يكون حالها اليوم مِصداقًا لقوله تعالى:

قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ

بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ.

عليكِ رحمات الله تترى أيتها النبيلة، وأسأله أن يجعل قبركِ روضة من رياض الجنة، ويربط على قلوب أهلكِ ومُحبيكِ، ويجمعنا بكِ في مُستقر رحمته، وأن يُرينا آية انتقامه من كل ظالمٍ أذاقكِ مُرَّ الحياة، ويشفي صدور قومٍ مؤمنين!

سبحانك ربَّنا، لا رادَّ لقضائك، ولا مُعقِّب لحكمك، ولكَ الحمد في الأولى والآخرة!

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.