ليس خبر تصفية الناشط الفلسطيني نزار بنات في مدينة الخليل من الأحداث التي يمكن المرور عليها مرور الكرام، فالراحل تعرض عدة مرات للاعتقال والاعتداء المباشر عليه من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، كما أنه تلقى عشرات التهديدات بالتصفية من قبل الأجهزة نفسها.
أول ما يتبادر للذهن في هذا الصدد هو التساؤل عن الطرق المؤدية للتخلص من المعارضين، خصوصا بعد تخصيص 25 عنصر أمن مزودين بمطارق وهراوات نزلت على رأس الضحية وهو نائم، ومن ثم تم تجريده من ملابسه وسحله، عادةً تكون الخطط التي تلجأ إليها الأنظمة القمعية للتخلص من معارضيها السياسيين باقتراف جريمة التخلص منهم بوسائل مختلفة، لكن مدرسة القمع التي انتسبت إليها السلطة الفلسطينية وجهازها الأمني لا تختلف عن مدارس الأشقاء في بقية البلدان، ولا عن مدرسة العدو التي تدعي المدرسة الأمنية الفلسطينية ضيقا من ممارساتها ضد نشطاء القدس والشيخ جراح.
الابتكارات البدائية للجرائم من الاغتيال بكواتم الصوت أو الطرق على رأس الضحية بمطارق حديد، وافتعال حوادث تقود للتخلص من الضحايا، لم تعد مقتصرة على فعل العصابات، نسبُها أصيل وثابت لأجهزة الأمن التي تدير بعضها معتقلات سرية وعلنية ومسالخ بشرية بقضاء صوري يفصل الأحكام نزولا عند رغبة الحاكم، أو تلك التي تتلقى تعليماتها عبر جهاز الهاتف من قوة الاحتلال الإسرائيلي إلى جهاز المخابرات الفلسطيني في حدود المناطق المنتشر بها.
ومهما كانت التساؤلات حول تصفية الناشط الراحل نزار بنات، فإن الشكوك تدور حول جهاز أمن السلطة الفلسطينية الذي اتخذ قرار الإعدام الميداني لنزار، لأنها ضمن الأسباب الكثيرة التي دفعت السلطة الفلسطينية ممثلة بجهازها الأمني المرتبط بعلاقة وثيقة مع الشاباك والشين بيت الإسرائيليين للعمل مع شركاء في المنطقة لاتباع نهج التصفية المباشر وغير المباشر للمعارضين، يبدو لنا أن السبب الأساسي يكمن في السعي للانتقام من المعارضين الذين كشفوا بحسهم الصادق وانتمائهم النبيل للأوطان والإنسان عورة الدجل للسلطة القائمة على الظلم والبطش والاستبداد والقتل والابتزاز للمعارضين والأهم بالتذلل للاحتلال.
العربدة الأمنية للسلطة الفلسطينية تجاه الشارع الفلسطيني، والقائمة على أساليب التخويف والترهيب للقاصي والداني، انفضح أمرها منذ عقدي أوسلو، ونحن نشهد هزل تشكيل لجان تحقيق في التجاوزات الأمنية، أو في الاعتداء على حرية الرأي والتعبير، مع مشاهد المسالخ البشرية في دمشق وما يخرج منها من أشباه الإنسان من المعتقلات، وصلت إلى نهايتها أو بصورة أكثر دقة أصبح النموذج الأسدي والسلماني، ومع سلوك جهاز أمن السلطة الفلسطينية، نماذج للعار الإنساني في عالم العرب.
كل عمليات التخلص من المعارضين والمقاومين للاحتلال والاستبداد لم تكن مجرد صدفة. الدهس بحادث سير، أو إسقاط من الطابق العشرين، أو الخنق حتى الموت في غرفة فندق، أو انتحار المعارض بخمس رصاصات، وغيرها من أساليب استدراج المعارضين وخطفهم أو تصفيتهم لم تعد بحاجة لجهد كبير لمعرفة من يقف وراءها، فالثرثرة الإعلامية مستشرية، والتحريض من أنظمة القتل والاستبداد ضد المعارضة السياسية والفكرية والإعلامية والحقوقية مستمر مع أحكام جائرة بالإعدام بالجملة لعشرات المعتقلين.
وهذه "السوبر جرأة" من القتل العمد والتصفية لآلاف البشر داخل مدنهم وقراهم وفي المعتقلات، ومطاردة النشطاء خارج الحدود، أياً تكن مواقعهم أو مراكزهم، دون خوف أو وجل من ردة فعل، ودون رادع، ليست غريبة، بل الأكثر من ذلك لها ما يبررها عربيا على المستوى الرسمي، وصهيونيا على المستوى المؤسساتي. وأخيرا وليس آخرا، تأتي عملية قتل الناشط الفلسطيني نزار بنات، واستنادا لتراث ماضي وحاضر سلطة التنسيق الأمني المنافق لأنظمة قمعية وقاتلة، ولا حاجة للتنويه بأن انعدام رد فعال وناجع ورادع من قبل الشارع الفلسطيني والفصائل على هذا السجل الأسود المتواصل لسلطة رام الله مع المؤسسة الصهيونية ومع الاستبداد، قد ساهم بصورة فاعلة في تأصيل جريمة التخلص من المعارضين شنقاً أو دهساً أو تحت التعذيب.
الرد النشط على جرائم قتل المعارضين السلميين والنشطاء الحقوقيين وغيرهم، يجب أن يشمل الاقتصاص من المسؤولين المباشرين عن تلك الجرائم ومعاقبتهم، ومسألة تأديب كبار المجرمين في أنظمة الاستبداد والاحتلال من المسائل التي يجب الوقوف عندها، التصفية الجسدية والمعنوية وتجريد البشر من حقوقهم ومصادرة ممتلكاتهم وحقهم في التعبير، وتجريدهم من جنسيتهم وتشريدهم ومطاردة أسرهم واعتقالهم وتلفيق التهم لهم، هي جرائم ضد الإنسانية وجرائم لم تقع بالصدفة "الثورية" من قبل جهاز أمن وظيفته قمع وقتل أي حالة ثورية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.