شعار قسم مدونات

أفغانستان تخطف عبء الانشغال الإيراني عن العرب

خريطة أفغانستان (الجزيرة)

 

شكل السقوط المتسارع للمديريات الأفغانية بأيدي مقاتلي حركة طالبان الأفغانية هاجسا وكابوسا حقيقيا لإيران والقوى الأفغانية الحكومية المتحالفة معها، وأعاد إلى الذاكرة الإيرانية انتصارات طالبان عام 1996، يوم قتلت عددا من دبلوماسيي طهران في "مزار شريف" شمالي أفغانستان، حين اجتاحتها وسيطرت عليها. وجاء التركيز الطالباني الأخير على الشمال الأفغاني ليكون بداية ما انتهت إليه طالبان في نسختها الأولى عام 1996، يوم أخّرت عملياتها في الشمال الأفغاني إلى النهاية، أما اليوم فقد أصبح التركيز على الشمال لقطع تواصل الأقليات الأفغانية مع جمهوريات وسط آسيا، التي شكلت في السابق حديقة خلفية لروسيا وإيران عدوتي طالبان، وهو ما أدى إلى انتكاسها في البداية وتكبدها خسائر كبيرة.

 

 

ونجحت طالبان -في ضربة سريعة وخاطفة- بالسيطرة على ممر شيرخان الواصل مع جمهورية طاجكستان، وكذلك على مقر المليشيات الأوزبكية بزعامة مجرم الحرب عبد الرشيد دستم الذي وصفته بذلك منظمات حقوقية دولية، وهو ما أطلق صافرات الإنذار في طهران وغيرها من العواصم التي ترى نفسها معنية بملء فراغ انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، ما دام الكل يتهيَّأ للعبة أفغانستان ما بعد الانسحاب السوفياتي عام 1989، يوم حلّت اللعبة الإقليمية محل اللعبة الدولية، وهو ما يتكرر اليوم على ما يبدو.

مليشيات الهزارة الشيعية في الوسط الأفغاني والموالية لإيران بدأت بتشكيل مليشياتها الخاصة بها، تماما كما دعا محمد عطا -قائد طاجيكي في مزار شريف- إلى التعبئة العامة لقتال طالبان، ومن جانبه أعلن القائد محمد إسماعيل خان الطاجيكي في ولاية هيرات عن استعداد نصف مليون مقاتل لقتال طالبان، وهي الوجوه نفسها التي قاتلتها طالبان في التسعينيات وهزمتها، وفرّ بعض قادتها إلى طهران.

 

أما باكستان التي ترنو الأعين إليها فتفرك يديها فرحا بعودة حليفتها طالبان إلى الصعود على حساب قوى أفغانية كانت وما زالت حليفة لخصومها وأعدائها في المنطقة؛ ولذا فقد استبقت ذلك كله برفض منح الولايات المتحدة الأميركية أية قواعد عسكرية لها في أفغانستان لقتال الحركة من بعيد، وهو ما أكده وجدده رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان -في مقال له في "واشنطن بوست" (The Washington Post)- بشكل واضح وصريح حين قال:

مَن فشل في هزيمة طالبان على الأرض كيف له أن ينجح في هزيمتها من قواعد عسكرية بعيدة كل البعد عن أراضيها؟!،

ولذا لم تعلق باكستان على العرض التركي بتأمين مطار كابل والمقرات الدبلوماسية الأجنبية في العاصمة الأفغانية، والتزمت الصمت، حيث تولت طالبان الرد برفض العرض التركي.

على هذه الخلفية يبدو من الواضح أن إيران ستكون منشغلة كل الانشغال بأفغانستان عن المنطقة العربية، نتيجة الحدود المشتركة المباشرة معها، ومن ثم فوصول قوى مناوئة لها للعظم في أفغانستان سيلقي بتداعيات جيوسياسية، لا على إيران فحسب، وإنما على الداخل الباكستاني، وبتقرير هوية القوى الصاعدة سياسيا في باكستان، بحيث سيكون ثمة تماه واتفاق سياسي بين أفغانستان وباكستان، وهو ما سيضرّ المصالح الإيرانية، ليس في منطقة جنوب آسيا فقط وإنما على المستوى العربي أيضا، الأمر الذي ينبغي على أصحاب الربيع العربي التنبه له والاستفادة منه بشكل كبير.

 

ولا بد من التذكير بأن وزير خارجية إيران جواد ظريف قد استبق هذا كله قبل أشهر، يوم طرح -عبر تلفزيون "طلوع" الأفغاني- دمجَ قوات "فاطميون" مع الجيش الأفغاني، إذ كان يدرك تماما أن عودة طالبان حتمية، ولا بد من مواجهتها، ولا يتحقق ذلك بدون المليشيات ذات الخلفية المذهبية، ومثل هذا الواقع قد يشكل فرصة ذهبية للدول التي نُكبت بالاحتلالات والتدخلات الإيرانية، ومن ثم فتثبيت الواقع المرير الحالي في الشام والعراق واليمن وغيرها لن يكون في صالح المنطقة العربية، إذ إن إيران اليوم بحاجة إلى تهدئة هذه الجبهات من أجل التفرغ للجبهة الأفغانية.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.