شعار قسم مدونات

سيف القدس.. حسابات لم تكن بالحسبان

طائرات "شهاب" الانتحارية محلية الصنع التي أدخلتها كتائب القسام الخدمة خلال معركة سيف القدس. (الجزيرة)

 

منذ اليوم الأول لبدء المعارك على الأراضي الفلسطينية لم نشكّك في الانتصار الذي سيحقّقه الشعب الفلسطيني، فانتهاكات باب العامود وحي الشيخ جرّاح في القدس المحتلة جوبهت منذ البداية، ورُفِضت، وشهدت تطورات وتسارعا للأحداث، وصولا للمعركة الأخيرة على قطاع غزة. وهنا دخلت المقاومة لتأخذ دورها الفعلي والحقيقي بالتصدي والمواجهة والرفض للتطهير العرقي، ورفض التغيير الديموغرافي الذي يريد أن يفرضه الاحتلال، ورفض العنصرية والتهويد وإخلاء حي الشيخ جراح، وكذلك رفض السياسات الجبانة التي يمارسها الاحتلال ضد المصلين في المسجد الأقصى؛ فكانت هذه النقطة الحاسمة القوية الفاصلة التي أوجعت الاحتلال وآلمته أشد الألم، كيف يمكن للمقاومة الفلسطينية المتواجدة على أراضي قطاع غزة أن تفرض كلمتها وسطوتها وتعلن رفضها ما يجري في القدس؟ كيف يمكن لمجموعة مقاتلين مسلحين يمتلكون صواريخ عبثية -كما يزعم الاحتلال- الرد والصدّ وإعلان الدفاع عن الأقصى؟

 

ربما ظن الاحتلال أن مجمل ما يمكن أن تفعله المقاومة هو الدفاع عن غزة فقط، لكنّه اليوم فوجئ بمقاومة عنيفة قوية مرعبة مزلزلة، سيعيد الحسابات بشأنها مرارًا وتكرارًا.

 

اليوم، وبعد 11 يومًا من الحرب الهمجية على غزة، يقف الاحتلال خائبا خاسرا، لا يملك من أمره إلا قرار وقف العمليات البربرية الهمجيٍة التي بدأها ضد غزة، يقف الاحتلال يعد ويحصي الدروس والعبر المستفادة من حربه البائسة الخاسرة، التي لم يحقق من أهدافها شيئًا سوى التدمير والقتل وطمس الإنسانية وقتال للإعلام؛ وهل هذا يعتبره إنجازا؟ بالطبع يعتبره الاحتلال إنجازًا وذلك وفقا لأخلاقياته وتاريخه الوحشي، وسيقف أيضا الاحتلال حائرًا أمام وحدة الدم الفلسطيني التي شهدناها لأبناء الضفة وغزّة وأراضي 48، فشهدنا فلسطين بأكملها تنتفض ترفض أن يُسلبَ منها شبر جديد؛ إذن اليوم الاحتلال يحتاج إعادة ضبط حساباته ومفاهيمه وقناعاته وتصوراته التي وضعها من قبل.

 

شهدنا أيضًا كما شهد الاحتلال التطور في أداء المقاومة وتطور أسلحتها وقوة خطابها وصواريخها التي غطت الأراضي المحتلة، كما وصف الناطق باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام أبو عبيدة بأن صواريخ المقاومة تطول الأراضي المحتلة من حيفا شمالا لرامون جنوبا، فضلا عن الحرب النفسية القوية الذكية التي شنها القائد العام محمد الضيف بإعلانه إيقاف حظر التجول في تل أبيب لمدة ساعتين، وهنا اقتنع الاحتلال وشعبه بمدى هيمنة المقاومة ومدى قوتها، كما أن المقاومة عن طريق قصفها مواقع عسكرية وقواعد مهمة لجيش الاحتلال أوجعته وزلزلت صورته وأسقطت سطوة اسمه في عقول شعبه وعقولنا نحن أيضا.

 

 

أمّا بالنسبة للساعات الأخيرة من المعركة، فقد هرب نتنياهو من الظهور، واختفى مسجلاً بذلك هزيمته النكراء. وعلى الطرف الآخر يظهر أبو عبيدة بكلمة مقتضبة يهدّد ويتوعّد ويعلن جاهزية المقاومة واستعدادها للرد في حال أقدم الاحتلال على ارتكاب حماقات.

ظهور أبو عبيدة كان متألقًا متعمّدًا بحركة ذكيّة من المقاومة لترسيخ كلمة الفصل والقوّة لها في عقول المستوطنين الذين ضاقوا ذرعًا بزعزعة أمنهم وتوقف حياتهم اليوميّة، ليفهم الجميع أن المقاومة أقوى مما يظنون.

وهنا أيضا لا بد من الإشارة إلى أنه للمرة الأولى يتوقف إطلاق النار من جانب الاحتلال وفقا لإعلانه ذلك، لأننا في المرات الماضية نشهد الوسيط المصري يعلن ذلك، وهذه أيضا إحدى دلالات الهزيمة المدوية.

 

 

أما فلسطينيّا، فرغم الجرح والدمار والقتل والوجع، فعندما دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ خرج الفلسطينيون يعلنون نصرهم، مكبّرين مهللين في مشهد أسطوري عظيم لم تشهده فلسطين من قبل، وارتفعت به أعلام الفصائل الفلسطينية جميعها، كأنهم في ليلة العيد يحييون القسّام من رام الله، يحملون الرايات في الخليل ونابلس والقدس ورام الله وغزة، معلنين فخرهم ونصرهم وعزهم وانتصارهم لقضيتهم وقضيتنا، فما هم إلا الذين اختصهم الله في تلك الأرض الطاهرة، وكان حقا على الله نصر المؤمنين.

 

ودعونا أيضا نتذكّر أن الملفت هذه المرّة أن الفلسطينيين لم ينادوا دولة، ولم يرفعوا نداء استغاثة، لقد بدؤوا تلبية الأقصى من أنفسهم وتابعوا وأكملوا وانتصروا لنا ولهم، فهنيئا لمن كان معهم ومن كان من خلفهم ومن كان يدعو لهم، ومن كان يؤيدهم ومن كان يحمل في قلبه ذرة حبّ للأقصى، ومن أسهم وساند وساعد وناصر ونصر وقال وقاوم ووقف وأيّد، ورفض التخاذل. والعار كل العار لمن تخلّى واستسلم وانهزم وطبّع مع عدوّ. وهنا لا بد لنا أن نشير إلى التطبيع الذي اهتز الآن في العقول وأصبح هشًّا، فما جدوى التطبيع مع دول ليست لها في القضية ناقة ولا جمل إذا كان أصحاب القضية المعنيين أصلاً لم يقبلوا التطبيع؟

 

أخيرا سنكتب في تاريخنا أننا في مايو/أيار2021، في شهر النكبة، انقلبت نكبة فلسطين التاريخية إلى نكبة للاحتلال، الذي سيطرح مئات من علامات الاستفهام بعد هذه الحرب، ويقف أمامها حائرا مهزومًا أمام هذا التحوّل والمنعطف في تاريخ المواجهة بينه وبين أصحاب الحق.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.