حبس العالم أنفاسه لأيام وهو يراقب سقوط صاروخ صيني أطلق في الفضاء، وتسمّر العالم كله أمام الشاشات الفضائية بينما تابع أضعافهم ربما منصات مواقع التواصل الاجتماعي لمعرفة أين سيسقط الصاروخ الصيني الذي قيل إن سقوطه كفيل بتدمير حي بأكمله، أما السوريون في الشمال المحرر فكانوا يتندرون بالقول إن سقوطه في محررهم سيسمح لهم بجمع كمية كبيرة من النحاس وبيعها لوزنه الضخم.
على مدى عقد كامل كان السوريون هدفاً أسدياً واحتلالياً روسياً وإيرانياً، وبدعم وصمت عالمي لمئات الآلاف من الصواريخ والبراميل والخراطيم المتفجرة، لا يدرون أين ستسقط، فلم يكن لهم ترف ميزة حصل عليها العالم كله وهو يتابع الصاروخ الصيني بتتبع مساراته والتنبؤ بمواقع سقوطه، وعلى الرغم من إلقاء ما يعادل مئات القنابل الهيروشيمية والناغازاكية على السوريين خلال العقد الماضي، فإن السوريين ظلوا مستمسكين بثورتهم ومؤْثرين الهجرة والاقتلاع عن أرضهم على خيار البقاء في ظل "البوط" الأسدي والاحتلالي.
فضّل نصف سكان سوريا الهجرة والعيش بعيدا عن الديار والبيوت والأراضي، بل فضل عشرات الآلاف منهم اليوم العيش على بعد كيلومترات فقط من بيوتهم المدمرة والمحتلة على البقاء تحت حراب المحتل والنظام السوري، ولعل مهجري معرة النعمان وريفي إدلب وحلب شاهدا على ذلك، من خلال خيام أقاموها يستطيعون أن يرمقوا منها بيوتهم المحتلة.
لكن مع كل هذا، لا تزال استطلاعات الرأي تؤكد أنه حتى من تبقى في ظل العصابة الأسدية في دمشق، يفضل أكثر من ثلثي سكانها الهجرة والخروج منها لو تهيأت لهم الظروف، بل يغبطون كل من تمكن من الهجرة.
أما في ديار اللجوء بالدانمارك، فلا تزال الحكومة تصر على إعادة اللاجئين إلى بلادهم كونها أصبحت آمنة بحسب ادعاءاتهم، وهو أمر مثير للضحك والهزء والسخرية، فبعيدا عن تهديد أحد الشبيحة لهم الذي ظهر في مقطع فيديو من داخل دمشق يهدد فيه كل من يعود لحضن الوطن، إلاّ أن دولة ديمقراطية وحرة بحجم الدانمارك تجهل جذر وأصل هجرة ولجوء هؤلاء اللاجئين إليها، ألا تعرف أن المشكلة تكمن في عصابات الأسد والعصابات الطائفية الداعمة له والمحتلة لبلدهم وأرضهم، وبالتالي فإعادتهم للبلد الذي خرجوا منه مع بقاء السبب والمشكلة يعني تعرضهم لما فروا منه، وحينها ستتحمل الدانمارك وغيرها مسؤولية قتل وتعذيب محقق ينتظرهم، ما دام جلادو قيصر وسجون قيصر وأدوات قيصر لا تزال تعبث في سوريا، وربما بأضعاف مضاعفة.
أبسط قواعد القانون الدولي هو عودة اللاجئ بكرامته، وهل هناك كرامة لمواطن بعودته إلى العصابة الطائفية في سوريا، طبعا لا نتحدث هنا عن حق الحياة والوجود الفيزيائي والمنع من التعذيب في ظل هذه العصابة الحاكمة المدعومة من مليشيات منفلته من كل شيء إلاّ قوانين "قروسطية".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.