شعار قسم مدونات

انظر إلى سماء غزة حتى ترى الأقصى

Israel's Iron Dome missile defence system (L) intercepts rockets (R) fired by the Hamas movement from Gaza city towards Israel early on May 16, 2021. - Israel pummelled the Gaza Strip with air strikes, killing 10 members of an extended family and demolishing a building housing international media outlets, as Palestinian militants fired back barrages of rockets. (Photo by MOHAMMED ABED / AFP) (AFP)

 

شاهد العالم بأسره وبمختلف لغاته وأعراقه وجغرافيته -في صباح يوم الاثنين 28 رمضان- مشاهد محاولات اقتحام المستوطنين المتطرفين أبواب المسجد الأقصى بحماية من قوات الكيان الصهيوني المسلحة بالطبع، إلا أنهم اصطدموا بصخرة ضخمة جعلتهم يتعثرون كثيرا، صخرة انهارت عليها كل أمانيهم الخسيسة وأهدافهم الخبيثة، إنها صخرة المرابطين الصامدين الثائرين المنافحين عن مسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمدافعين عن أولى القبلتين وثالث الحرمين بالغالي والنفيس رغم ما لاقوه من أذى وطغيان واعتداءات من كيان مغتصب لا يرقب في مؤمن  إلًّا ولا ذمّة.

 

بداية الملحمة.. حي الشيخ جراح

يقع حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة التي كانت تخضع للسيادة الأردنية كسائر مدن الضفة الغربية قبل أن تحتلها إسرائيل عام 1967 وتضمها، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.

وكانت المحكمة المركزية في القدس قد قضت بإخلاء عدد من العقارات الفلسطينية بالحي الذي أقامته الأردن لإيواء الفلسطينيين الذين هُجّروا في العام 1948 ولديهم عقود إيجار تثبت ذلك، وتخص الوثائق التي نشرتها وزارة الخارجية الأردنية 28 عائلة في حي الشيخ جراح هُجّرت بسبب حرب عام 1948، ويشهد الحي -منذ أكثر من أسبوعين- مواجهات حول قضية ملكية الأرض التي بُنيت عليها منازل تعيش فيها 4 عائلات فلسطينية، تطالبها جمعية استيطانية بإخلائها.

وقد صرح محامي العائلات الفلسطينية حسني أبو حسين أن:

تسجيل الأراضي باسم الجمعية الاستيطانية حدث عن طريق الغش والخداع بالتواطؤ مع مأمور الأملاك العامة ومسجل الأراضي الإسرائيلية،

وأضاف "طلبنا أن يشرح لنا المستشار القضائي كيف تم هذا التسجيل".

والواقع أنَّ ما شاهدناه على مدار أيام -من حملة اعتداءات واعتقالات واسعة قامت بها قوات الاحتلال في حي الشيخ جراح- إنما هي حملة ممنهجة؛ من أجل تهجير أهل الحي منه وجعله مستوطنة جديدة تكون قريبة من ساحات المسجد الأقصى؛ فيتمكنون بذلك من زيادة التضييق ومنع أهالي القدس والمرابطين بالمسجد من الوصول إليه عبر هذا الحي، ولكن بعد أن وجدوا هذه الهجمة الشرسة عليهم فقد أُجبِروا على تأجيل النظر في هذه الدعوى.

وقالت قناة "كان" الإخبارية الإسرائيلية (الرسمية) إن "المحكمة العليا (أعلى هيئة قضائية في إسرائيل) قررت تأجيل المداولات بشأن قضية حي الشيخ جراح إلى موعد آخر بغضون الشهر القادم"، وأوضحت القناة أن قرار التأجيل جاء بطلب من المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية أفيحاي مندلبليت، كي يقرر إذا ما كان يريد أن ينضم للملف المنظور أم لا، وأشارت القناة إلى أن المستشار سيقدم للمحكمة "مغلفا مختوما (سري) وبداخله رأي قانوني للجهات المختصة حول تداعيات الملف"، دون مزيد من التفاصيل.

 

بسالة نادرة في ساحات الأقصى

على الجانب الآخر، انتشرت على شاشات الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي في الساعات الأولى من صباح يوم 28 رمضان العديد من الصور والمقاطع المصورة التي تبين حجم فجاجة المغتصبين وشراسة المحتلين في اقتحام المسجد الأقصى وإخراج المصلين والمعتكفين منه، ولكن تبددت مساعيهم المخذولة الباطلة على عتبات أبوابه؛ لِما واجهوه من شجاعة فريدة من المرابطين من الشباب والفتيات والشيوخ والنساء، الذين أخذوا يتوافدون قبلها بأيام وساعات من كل حدب وصوب في الأراضي الفلسطينية، على الرغم من العقبات العديدة التي وضعتها قوات الاحتلال للحيلولة دون وصولهم، فلم يتوانَ أحد منهم في الدفاع عن المسجد الأقصى ولو بحفنة من الحجارة وبصدور عارية ملؤها الإيمان تحمي شرف الأمة الإسلامية بكل ما أوتيت من قوة وحيلة وجهد، كلٌ حسب استطاعته وقدرته، حتى إنه لا يغيب عن خاطري ومسمعي نداء تلك المرأة المسنة وهي تصرخ بأعلى صوتها في باحات المسجد الأقصى قائلة "وا أقصاه وا إسلاماه.. هذا هو حال مسجدكم يا أمة الإسلام".

 

مُهَل زمنية ورشقات صاروخية

بعد تواتر الأنباء عن استمرار الكيان الغاصب في غطرسته الفجة وهمجيته المعتادة وشروع قواته برفقة المستوطنين في إعادة اقتحام المسجد الأقصى من جديد، أتى التحذير القسامي من المتحدث باسم كتائب القسام أبوعبيدة؛ حيث أمهل الكيان المحتل حتى الساعة السادسة مساءا لسحب جنوده ومغتصبيه من المسجد الأقصى المبارك وحي الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة والإفراج عن المعتقلين، وبالفعل بعد انتهاء المهلة تم توجيه ضربة صاروخية للعدو في القدس المحتلة ردا على جرائمه وعدوانه، وردّ الكيان المحتل بضربات صاروخية أيضا.

وفي اليوم التالي استمرت قوات الاحتلال في التضييق على المصلين والمعتكفين بالمسجد الأقصى، بل قامت القوات المتعجرفة بمعاودة اقتحام المسجد من جديد، فكانت المهلة الثانية من كتائب القسام للكيان المحتل بالتراجع عن حصار المرابطين بالمسجد وإلا سيكون الرد في غضون ساعتين، وعقب انتهاء تلك المهلة أيضا، أصدرت الفصائل الفلسطينية مجتمعة بيانا مشتركا بإطلاق معركة "سيف القدس"؛ حيث أطلقت نحو 150 صاروخا تجاه إسرائيل، بما في ذلك 7 صواريخ على مدينة القدس، فيما استهدفت باقي الصواريخ عسقلان وسديروت ومستوطنات بمنطقة غلاف غزة.

وردّت دولة الاحتلال على هذه الصواريخ بشن غارات متفرقة على قطاع غزة تستهدف منازل المدنيين، وقد أسفرت عن استشهاد عدد من الفلسطينيين من بينهم أطفال ونساء، وفق وزارة الصحة الفلسطينية.

 

التكتيك الجديد واختراق القبة الحديدية

أعلنت كتائب القسام التابعة لحركة حماس أنها قد استخدمت لأول مرة "تكتيكا خاصا" بإطلاق صواريخ السجيل ذات القدرة التدميرية العالية في دك عسقلان ظهر الثلاثاء الماضي، ونجحت في تجاوز القبة الحديدية لِتُوقِع في صفوف العدو قتلى وجرحى ردا على استهداف البيوت الآمنة في قطاع غزة، وكان من ضمن الأهداف -التي تم قصفها بنجاح- خزانُ وقود بمنشأة إستراتيجية للطاقة جنوب عسقلان بصواريخ ثقيلة ومركزة؛ مما تسبب في اندلاع حريق هائل أفقد قوات الاحتلال السيطرة عليه، كما تم استهداف محطة توليد الكهرباء في عسقلان بتلك الصواريخ المدمرة، وهذه المحطة تُعد واحدة من أهم المرافق الحيوية وإحدى نقاط القوة في القبة الحديدية لنظام " إتش إس إس" (HSS) الإسرائيلي الخاص بعمل القبة الحديدية ومدى فعالية صد ومواجهة الصواريخ القادمة من الخارج.

 

التحركات الدبلوماسية والسياسية

على الصعيد العربي، لم يكن التحرك على المستوى المطلوب كالعادة، فقد انعقدت الجامعة العربية على استحياء بعد ضغط من دولة قطر لعقد جلسة طارئة على مستوى الوزراء بدلا من تلك الجلسة التي كان مقررا عقدها على مستوى مندوبي الدول فقط، وقد خرجت إدانات شجب واستنكار من وزارات خارجية عدة دول عربية من باب ذر الرماد في العيون، ولكن على الجانب الآخر كان موقف الدولة التركية بقيادتها الحالية موقفا مشرفا يستحق الإشادة والتقدير؛ حيث تواصل الرئيس التركي مع زعماء وقادة عدة دول من أجل إدانة الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، وأخص بالذكر تواصلَ الرئيس أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، حيث بحثا التطورات الأخيرة في فلسطين، وأشار أردوغان لأول مرة في حديثه مع بوتين إلى ضرورة دراسة فكرة إرسال قوات دولية لحماية المدنيين الفلسطينيين.

كما صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو -في تصريحات صحفية يوم الثلاثاء الماضي مع نظيره الجزائري- بأن تركيا تسعى لاستصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الاعتداءات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، ولفت إلى أن الأمة الإسلامية تتطلع إلى خطوات ملموسة تتجاوز بيانات التنديد، وأكد "جاويش أوغلو" أن تركيا ستواصل دفاعها عن حقوق الفلسطينيين ولن تقتصر جهودها على يوم أو يومين، وأشار إلى الحراك الدبلوماسي الذي تقوم به أنقرة على أعلى المستويات بهذا الشأن.

وأوضح جاويش أوغلو أن الرئيس أردوغان تواصل مع زعماء العديد من الدول، بشأن تطورات الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأنه يتم إطلاعه أولا بأول على الجهود التي تبذلها وزارة الخارجية بهذا الشأن.

 

كلمة أخيرة وهمسة قصيرة

إن سماء غزة بمجرد النظر إليها في هذه الأثناء تستشعر معنى العزة المفقود في أمتنا عند رؤية أنوار صواريخها المنطلقة تجاه العدو المعتدي الغاصب، فما زالت أصوات رشقات الصواريخ وطبول الحرب عالية مدوية في الأراضي الفلسطينية المحتلة تزغرد فوق رؤوس المحتلين الغاصبين، ومن ناحية أخرى ما زال عدد الشهداء والمصابين يتزايد في قطاع غزة حتى هذه اللحظات التي أكتب فيها إليكم كلماتي هذه، حيث تقوم الطائرات الحربية الإسرائيلية باستهداف وتدمير الأبراج التي تضم عشرات الشقق السكنية والمكاتب الصحفية وسط مدينة غزة، فكونوا عونا لإخوانكم المجاهدين في حركة حماس وفي سائر فصائل المقاومة الفلسطينية، سواء بالدعم المادي عبر التبرعات المادية والعينية أو بالدعم المعنوي بالدعاء لهم ونشر قضيتهم والدفاع عن جهادهم، ودونكم المثبطين الذين لا همَّ لهم سوى الطعن في حركة حماس وإخوانهم المجاهدين على دربهم، فالواقع يشهد بأن حركة حماس إنما هي حركة مقاومة صلبة عصية على العدو، تجيد المناورة السياسية والمواجهة الميدانية، والتجارب تثبت بأنها حركة تحسن الجلوس على طاولة التفاوض والنهوض لميدان الحرب في الوقت المناسب والمطلوب لكل منهما، فالله الله في إخوانكم المجاهدين المرابطين ومزيد دعواتكم للشهداء والمصابين، ولا أجد حرجا في تهنئتكم بحلول عيد الفطر المبارك في هذه الأجواء الممزوجة بالفرح تارة والحزن تارة أخرى، فلقد منَّ الله علينا برجال من أمتنا يدافعون عن شرف مقدساتنا ويرابطون على الثغور نيابة عنَّا وعن تقصيرنا، فاللهم كن لهم معينا ونصيرا وسدد رميهم وقوِّ شوكتهم واغفر تقصيرنا نحوهم. عيدكم مبارك وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال والطاعات.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.