شعار قسم مدونات

أيّ قبة تحمي إسرائيل: الحديدية أم التطبيعية؟

التوقيع على اتفاق التطبيع "أبراهام" في البيت الأبيض مكتب الصحافة الحكومي وعممها على الإعلام للنشر
(الجزيرة)

 

تتبدل الأسماء والتواريخ والأماكن في "روزنامة" العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، منذ النكبة حتى الفصل الأخير من جولة المواجهة التي يخوضها الشعب الفلسطيني في القدس والجليل والمثلث والنقب وغزة، الجوهر فيها أن سوط المهانة والإذلال والاقتلاع والتهويد والأسرلة الذي كان يلاحق كرامة الفلسطينيين، أصبح القدر الأبدي لدى البعض الذي تُنزع عن عورته آخر الأوراق. لقد شاهد الملايين من المحيط إلى الخليج وحول العالم، كيف أهرق المقدسيون ماء وجه الاحتلال في الشيخ جراح واللد وباب العمود والأسباط وحيفا والناصرة وغزة، وفي كل بقعة مشتعلة مع الاحتلال داخل الخط الأخضر المكتشف لخديعة تزوير "المواطنة والأسرلة" وفضح العنصرية المتفشية داخل المؤسسة الصهيونية.

لقد استدعى حجم العدوان الصهيوني على القدس، واشتداد غطرسته العدوانية على الشعب الفلسطيني هذا التآزر والتلاحم من الجليل شمالا إلى النقب جنوبا، وصولا إلى غزة التي لبّت نداء استغاثة المقدسيين لرد العدوان عنهم وعن الشعب الفلسطيني، هذا الاستنهاض في الشارع الفلسطيني بهبته وغضبته ومقاومته، يعيد الوجه المشرق لقوة الحق والعدالة للفلسطينيين، فالمواقف المنددة بالعدوان من جنوب أفريقيا إلى بقية القارات التي تشهد مواقف قوية بجانب المقدسيين وبجانب عدالة القضية الفلسطينية، والتي خشي البعض فقدانها فور دخول المقاومة في غزة على خط المواجهة، لتثبت أن لا شيء يشد من عضد القضية سوى حالة الاشتباك المستمر مع مشروعه الاستعماري والرد على عدوانه.

 

والسؤال الآن، هل حدثت متغيرات دراماتيكية في الشارع الفلسطيني المنتفض على العدوان والعنصرية والاقتلاع والتهويد، أدت لقلب المعادلة رأسا على عقب التي أعقبت حملة صهيونية وعربية متصهينة لشيطنة الفلسطيني؟ إن الإجابة الموضوعية عن السؤال تقول: نعم، لقد حدثت تغييرات في الداخل الفلسطيني عام 1948 وفي غزة، ولكن الأكثر أهمية من ذلك قراءة التغييرات قراءة صحيحة وموضوعية، فما حدث هناك في القرى والمدن والبلدات العربية فاجأ المؤسسة الصهيونية التي راهنت على محاولات الأسرلة والتزييف، فأصبحت أمام جيل عربي متمسك بهويته وأرضه وقضيته، وكل محاولات تقسيمه وتشتيته فشلت، وأن جوهر مشكلتهم وأساسها مجابهة المشروع الاستعماري الذي يستهدف أساسا وجودهم فوق الأرض بعد سلبهم تاريخهم وتراثهم.

هذا الاستهداف، والمواجهة الفلسطينية للعدوان الصهيوني على غزة، لا يقول عنها الفلسطينيون إنها ستكون بمفعول سحري له القدرة على إلحاق هزيمة عسكرية بجيش الاحتلال، لكن كان لها مفعول رادع يقول منتقدو المقاومة إن كلفتها باهظة كل مرة، ولكن متى لم تكن الكلفة باهظة، سواءً في حالة التهدئة أم في حالة "التصعيد" أو الاستفزاز الذي يحب تسميته بعض المتصهينين العرب، في إشارة لمسؤولية ضحايا المشروع الاستعماري على استفزاز مستعمرهم. أيضا هذا الخلط السقيم لتوظيف الرواية الصهيونية وتبنيها من بعض الإعلام العربي مفتوح على هشاشة المواقف الرسمية العربية، وبالتالي الرهان الفلسطيني على المواجهة يستند بالأساس على استعادة دوره في مشروعية مقاومته لكيان الفصل العنصري بكل الوسائل والأساليب، والأثمان التي يدفعها الشعب الفلسطيني لا يمكن وضعها في ميزان المردود مقابل "أرباح" المشروع الصهيوني وحصاده على المستوى الرسمي العربي، أو في حصاد الخسائر البشرية والمادية العالية التي دفعها الشعب الفلسطيني على طريق حريته.

فالحقيقة الواضحة أن ما جرى حتى الآن في المواجهة الأخيرة المستمرة على الأرض في كل فلسطين، وبالشق المتعلق بمفهوم "الأمن الإسرائيلي" ويد العدوان الطويلة التي تصول وتجول في المنطقة، انتهت صلاحيتها في مدن وبلدات فلسطين التاريخية، وغزة المستهدفة بعقاب مضاعف كل مرة تضيء على هذه الحقيقة وتنزع عتمة استنقاعها في الصورة المستقطعة من المشهد الفلسطيني الكل، مختلفة عن مشهد العدوان وجولات غارات الاحتلال وتحويله أنظمة الاستبداد في المنطقة لـ"ملطشة" مستمرة منذ سنوات طويلة، وبإمكان أي فلسطيني أن يلحظ أن ذروة عدوان الاستيطان ومخططات السيطرة على الأرض وسن القوانين العنصرية وتدمير "حل الدولتين" وتدمير كل ما يشير للسلام، كل ذلك ازدهر في عصر الوهم الفلسطيني والعربي المنتهي للهرولة نحو التصهين وتثبيت الاستبداد الذي يقود لتصفية القضية الفلسطينية.

 

على أية حال، القدرات التي يتسلح بها أصحاب الأرض، من العزيمة العالية والثبات والإيمان بالحق، إلى القدرات المتواضعة عسكريا والتي تفتح مجددا باب التعري العربي والعجز المفضوح من التخاذل إلى التآمر، تقود لسؤال مفتوح عن قدرة المحتل ومشروعه الاستعماري بإلحاق هزيمة واقعية بالمنكوبين فوق أرضهم، والجواب المشع في سماء غزة وأزقة وشوارع مدن فلسطين يقول إن هشاشة القبة الحديدية لا يمكنها تأمين الغطرسة الصهيونية، وقبة التطبيع التي حاول الصهاينة ارتداءها في عواصم عربية، سقطت في الشارع العربي مع ذرائع التطبيع والاستبداد، اللذين يريان في صورة الفلسطيني المقاوم نقيضا يكشف عن مخازٍ عربية في وجه الطاغية العربي المحمي بقبة إسرائيل الحديدة والمحمية بقبته التطبيعية.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.