شعار قسم مدونات

نبش الذاكرة.. ليلة العيد

لوحة صلاة العيد (مواقع التواصل الاجتماعي)

 

حكاية ليلة العيد لدى الجميع واحدة، الطفل يرى نفسه في الثوب الأبيض كبيرا، والبنت ترى نفسها عروسا، والأم منشغلة في تنظيف المنزل وترتيبه، لا يوجد منزل يخلو من هذه المعادلات العجيبة.

ليلة العيد ليلة ملائكية فرحة، يبتسم الكل، ويهش الكل للكل، يقف الجميع طابورا أمام الحلاق، ويزدحمون على الخياطين كأن العيد أتى بغتة، وكثيرا ما خرجنا لصلاة العيد لنجد الحلاقين يزاولون مهمتهم، فيما الناس واقفون في طوابير متتابعة.

أما يوم العيد فهو قمة الطفولة، العيديات المتتابعة، والركض الحر، بل والقفز الحر، فالعيد هو الطفولة، والطفولة هي العيد، لا يمكن فصلهما ولا التمييز بينهما كثيرا.

تبدأ ليلة العيد بذهاب الناس للأسواق في الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل، حيث يبدأ الأطفال باستراق النظر يمنة ويسرة، والدخول في مفاصلات مع آبائهم فيما يشترونه، تبدأ الملابس والألعاب، ومعارك القياس والتفصيل والخياطة، يكون العمال في الأسواق منهمكين في عملهم، ينادون على الزبائن ويدعون للألعاب أن تفعل فعلها، فيتركونها تعمل وتصدر أصواتها، ربما يحن كثير منهم للعيد في بلدانهم، وربما يتشوقون لأطفالهم، لا تستغرب إذا لاحظت شرودهم لثوان وهم يقيسون على طفلك ثوبا أو بنطالا، فربما تخيل طفله هناك في قريته الصغيرة أو مدينته الصاخبة.

لكن لا تدع الخطوات المتتابعة للزبائن، وركضهم هنا وهناك فرصة للشرود، فعليهم أن يبيعوا، ومن المهم أن يشتري الناس.

في المقابل، يبدأ الأئمة في حث الناس على زكاة الفطر والمواظبة على القيام، وتذكيرهم بأن عليهم ألا يغفلوا في هذه الليالي.

تتجمع السودانيات للعمل على الحكاية الخاصة: خبيز العيد، فلكل سيدة طريقتها، ولكل عائلة طقوسها، يتجمعن، يجلسن، ويخبزنه، يتشكل بأشكال شتى من الفرح اللذيذ الذي سيصاحب العائلة مبقيا طعم العيد مصاحبا لشاي المغرب الوجبة الوسيطة بعد صلاة المغرب، فالشاي بالحليب تجتمع عليه الأسرة اجتماعا مصغرا قبل الانطلاق لأي مشوار أو تحديد وجهات تحرك.

في الليلتين الأخيرتين يتحول البيت إلى خلية نحل، تنظيف، تغيير، ترتيب، روح جديدة تسري في كل غرفة وزاوية، شيء من التعب والمجهود، وقليل من التذمر، فالرجال لا يحسنون شيئا ولا يساعدون زوجاتهم، أما النساء فلماذا يتعبن أنفسهن أصلا؟ فالبيت نظيف، على الأقل من وجهة نظر الرجل، ويبقى الرجال من المريخ والنساء من الزهرة.

ينتهي الأمر بمعايدات الواتساب بعد معايدات الرسائل القصيرة قديما، لا أنسى يوم توقف الجوال تماما وظل يرتجف ويصدر الإشعارات بوصول رسائل قصيرة، وبعد نصف ساعة كاملة نظرت إليه، فإذا به قد تلقى العشرات في توقيت متقارب فضج وشكا، ولم آبه له كثيرا فبدأت الإرسال بدوري.

عندما كنا صغارا لم ننم ليلة العيد، وعندما كبرنا لم ننم، فالعمل في المنزل مرهق، يتساقط الجميع بعين مغمضة وعين متيقظة، وقبيل الفجر يبزغ فجر العيد، فجر غريب، تيار نوراني فياض يدور في كل الاتجاهات، يستيقظ الجميع يخرجون، تدوي التكبيرات، ويقف الجميع لتبادل التهاني، ويفرحون بشيء غامض اسمه العيد.

فطور العيد بالبلاليط عند القطريين، وبالعصيدة عند السودانيين تتبعها الشعيرية التي تمت بصلة قربى للبلاليط أيضا، حيث يجتمع الجميع وتضج البيوت بالأحاديث ومرح الأطفال.

بالتدريج، وبعد الأيام الثلاثة الأولى تخفت كلمة العيد، تبدأ طاقته الغريبة بالتلاشي، تبقى لكل عيد قصته وحكايته المختلفة، ويبقى خبيز العيد ذكرى حيث يتنهد الجميع مع آخر حباته:

-كمل خبيز العيد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.