اختار النظام السوري ومنذ بداية الثورة السورية سياسة الحصار والتجويع والخناق، حيث مارسها ولسنوات عديدة على شعبه في الغوطة وجنوب دمشق والزبداني ووادي بردى وغيرها من المناطق الثائرة حتى وصلت إلى حد مأساوي من الجوع والمرض والفقر الذي لم نشاهده حتى في البلاد الأفريقية الفقيرة.
وها هو النظام اليوم يتجرع جزءا من الكأس الذي أذاقه لشعبه (مع فارق الشبه بين الحالين) من الحصار والغلاء، مع أننا نعلم أن هذا الحصار لا يتأثر به هو وأعوانه الأثرياء، بل يلتدع به طريد الطوابير المعتر.
وانعكاس الحصار على النظام وأثره عليه هو أثر معنوي وسياسي، ومع ذلك هو أثر خطير جدا على الشعب، فلا سلطة ولا سيادة لمن لا يقدر على تأمين معاش رعيته وأمانهم وحاجاتهم.
وفي الوقت الذي اتفقنا فيه على أن هذا الحصار ناجع (على الأقل سياسيا) مع النظام المجرم، وهو الذي يعوّل عليه شعبنا المظلوم، خرجت مبادرة روسية تريد فتح معابر الشمال، لتكون متنفسا وملاذا لنظام الأسد بطلب وإلحاح منه بعد أن شارف على الهلاك، فالدولار في دمشق يطرق حيطان 5 آلاف ليرة سورية، وحاضنته الشعبية القريبة منه باتت تلعنه ليلا ونهارا.
وقد تناقلت أمس وسائل التواصل الاجتماعي خبر اتفاق روسي تركي يقضي بفتح المعابر بين نظام الأسد والشمال السوري المحرر، فضج بهذا الخبر شمالنا المحرر، ورُفض هذا الإجراء جملة وتفصيلا، وها هو المحرر ينتفض بمظاهرات غاضبة ضد هذا الاتفاق، ولروسيا مآرب خبيثة تود تمريرها من خلال هذا الاتفاق.
فروسيا تعمل جاهدة وفي محاولات عديدة للإيقاع بالضامن التركي، وهو هدفها الأعظم من هذه الخدعة التي تلعبها، فهي تريد أن تقول للشمال المحرر: هذه هي تركيا حليفتكم تغير سياستها وتلين اتجاه الأسد، فتفتح له المعابر لينتعش اقتصاده، وبذلك تدق إسفينا بليغا بين الحليفين تركيا وأحرار سوريا.
وبنفس الوقت تكون روسيا فعلا قد أنعشت نظام الأسد اقتصاديا ولو جزئيا، وأنقذت ليرته المتهاوية، وحركت العملة الصعبة عبر سحبها من المحرر، ولا يعدم الشمال السوري بعض ضعاف النفوس المعروفين بالعمالة الذين ينتظرون تلك اللحظة حتى يتهافتوا على الكسب بأي طريقة كانت ولو على حساب الشعب المكلوم وثورته اليتيمة.
ونستطيع القول إن من أهداف روسيا في فتح المعابر (في هذا الوقت الذي يحضّر بشار فيه للانتخابات الجديدة) إعطاء الأسد نقطة لصالحه أمام شعبه الكاره له والساخط عليه والمغلوب على أمره.
إن اتفاق روسيا مع تركيا في هذا التوقيت -حيث سبق الاتفاق بساعات قصف شديد من الاحتلال الروسي والعصابة الأسدية لمنطقة الأتارب، فاستهدف فيه مستشفى والعديد من المدنيين الأبرياء- يعبر عن سياسة روسية وقحة، وهمجية ممنهجة، فهي تقتل المدنيين بيد، وباليد الأخرى تفتح معابر الحياة لمليشيات المجرم الأسد.
أما بالنسبة لتركيا فلا أظنها تنطلي عليها هذه الخدعة بسهولة، فتركيا تعلم أن السياسة الروسية جل اعتمادها على المكر والخداع والكذب، وأن روسيا لن ولم تكن يوما عامل سلام ومبادر خير، إضافة إلى أن تركيا تدرك خطورة فتح هذه المعابر على المدنيين والأبرياء، وأيضا خطورتها على القوات التركية ذاتها، فروسيا والنظام وإيران وقوات الـ"بي كيه كيه" (PKK) في خندق واحد في وجه أحرار سوريا وحليفتهم تركيا.
فبعد هذا، ما هي مصلحة الشمال المحرر وتركيا من هذا الإجراء في فتح المعابر؟
أقول لأهلنا في الداخل السوري القابعين في معتقلات بلا أسوار الذين يقضون حياتهم سعيا على طوابير الذل:
اصبروا فما بقي إلا قليل، والنظام هالك لا محالة،
وها هو يستنجد بمعابر إدلب المحررة بعدما عجز عن إعالة شعبه، والمحاكم الدولية تعمل بلا هوادة، والمجتمع الدولي المنافق بدأ يتململ في السكوت على هذا النظام، وعلى ما يبدو أن المجرم بدأ يبحث عن ملجأ أخير يأوي إليه هو وعائلته المجرمة، فالنصر قادم لا ريب فيه.
وعلى النظام المجرم ألا يفرح ويستبشر بالمعابر، فأهل الشمال المحرر عموما على دراية ووعي بهذه المكيدة، وأظن أن هناك إجماعا من كافة الجهات الثورية بعدم التعاطي مع هذه المعابر، ومعاملتها وكأنها ما زالت مغلقة، وهذه الجمعة ستكون ردا مزلزلا على روسيا والنظام، فمعابرنا لن تكون إنعاشا لمن يقصفنا ويقتلنا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.