شعار قسم مدونات

الجوع وكيف يصبح الإنسان مجرما؟

عدد الجوعى في العالم يرتفع إلى 821 مليون شخص
عدد الجوعى في العالم يرتفع إلى 821 مليون شخص (الجزيرة)

 

لا شك أن الفطرة البشرية بتكوينها لا تميل إلى الإجرام، فالإنسان بطبعه كائن ودود يحب العيش في راحة وطمأنينة وأمن بعيدا عن أذية نفسه أو غيره؛ لكن كما كل شيء يتغير، فكذلك الإنسان تغير شيئا فشيئا، إلا أنه تغير رغما عنه لا بإرادته، فكل شيء حوله يدفعه إلى التغير وللأسف إلى الأسوأ، وبالطبع تغير البشر يؤدي حتما لتغير المجتمع، والمحزن هنا أن الإنسان أصبح أداة الجريمة ومسببها وبالوقت نفسه أكبر الخاسرين منها؛ ولكن ما الذي يدفع ذلك الكائن الودود بفطرته أن يصبح مجرما، ولماذا زادت معدلات الجريمة بصورة مرعبة مع بدايات الألفية الجديدة، حتى وصلنا لمرحلة باتت فيها الجريمة بكل أشكالها جزءا من حياتنا اليومية اعتدنا عليها وتعايشنا معها كأنها أمر طبيعي.

 

القاتل يقتل في العادة لأجل المال، والسارق يسرق لأجل المال، والمرتشي يقبل الرشوة لأجل المال، وكذلك تاجر المخدرات والمهربون والفاسدون كل ذلك يُفعل من أجل المال، وفي المحصلة الجريمة في مجتمعاتنا هي من أجل المال؛ لكن الحاجة إلى المال متفاوتة بين الناس، فمنهم من يحتاجه لشراء يخت أكبر مما لديه الآن، أو شراء طائرة خاصة، فالسفر مع شركات الطيران وإن كان في أفخمها بات متعبا له، ومنهم من يريد أصفارا جديدة في خانات الأرصدة البنكية، ومنهم من يريد الانتقال من شقته المتواضعة إلى منزل كبير في أرقى أحياء المدينة، وهناك من يحلم بتلك الشقة المتواضعة ليترك دفع الإيجار آخر كل شهر، وهكذا حاجة الناس للمال تختلف أهميتها حتى نصل إلى ذلك الرجل الذي يحتاج المال لشراء أرغفة معدودة من الخبز لسد رمق أبنائه الجياع، أو تلك المرأة التي تحتاجه لشراء الدواء لأمها المريضة حتى لا تموت، وهنا تبدأ المشكلة فالحاجة أم الاختراع كما يقولون، ولكن الاختراع هنا يكون جريمة قد تكون قتلا أو سطوا أو خطفا أو رشوة أو غيرها حتى يستطيع المحتاج أن يؤمن المال لسد حاجته، فعند سماع بكاء الجياع وآهات المرضى تسكت كل أصوات الخير في النفس البشرية، وتعلو أصوات الشر التي تقود الشخص إلى الإجرام، وبالطبع فأنا هنا لا أبرر لمن يرتكبون الجريمة فعلتهم؛ لكنني أوضح ما الذي دفعهم لارتكابها، وإن كنت مهما حاولت جاهدا فلن أستطيع وصف معاناتهم ومقدار أوجاعهم؛ لأن الخناجر لا تؤلم إلا الكبد الذي غرست فيه.

 

أما المضحك المبكي هو التناقض الغريب العجيب بين حكم القانون وحكم الناس مع حجم الجريمة، فمن يسرق دراهم معدودة لسد جوع أطفاله هو بحكم القانون سارق يجب أن يعاقب وبحكم المجتمع لص منبوذ بلا أخلاق، أما من يسرق الأوطان وعرق الشعوب، فهو المقدر المحترم في نظر القانون والمجتمع، تراه على الشاشات يعطي المحاضرات في الأخلاق ليصفق له الجميع، وذلك الشاب الفاشل الذي تخرج بامتياز من الجامعة قبل 7 أعوام، ولم يجد وظيفة يعتاش منها، ليتحطم نفسيا ويتجه إلى تعاطي المخدرات ويصبح في نظر القانون والمجتمع متعاطيا فاشلا مكانه السجون، بينما ذلك الحوت الذي أدخل تلك السموم إلى المجتمع ودمر آلاف الشباب يعيش حياة الرفاهية، ويقف له الجميع احتراما عند دخوله لأي مجلس، مع أن المتعاطي يضر نفسه فقط أما ذلك المجرم يضر مجتمعا بأكمله، ما بالنا كيف نحكم على الأمور؟،

كيف نعاقب من أجبره الجوع والفقر والتهميش على ارتكاب الجريمة ونترك المجرم الحقيقي الذي أوصل المجتمع إلى ذلك، لا بل ونزيد من احترامه وتقديره؟.

 

هم المجرمون لا نحن، وإن كنا نسعى لمحاربة الجريمة، فلا بد أن نجفف منابع الجريمة ومسبباتها الحقيقية، وأولها الفقر والبطالة، وإن كنا جادين في ذلك فلا بد من القضاء على تجار الضمير والإنسانية، الذين أوصلوا مجتمعاتنا إلى ما نحن عليه الآن، ولا بد من علاج الداء من جذوره والعمل بخطط تنموية ذات منهج واضح وترسيخ سيادة القانون على الجميع بدون استثناء، فذلك الاستثناء قد يدمر العموم، ولو اقتدينا بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم لما كنا محتاجين لأي خطط أو برامج، فلقد لخص عليه الصلاة والسلام كل هذا الموضوع في أسطر معدودة حين قال

"أيها الناس إنما أُهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".

صدق خير البشر ومعلم الإنسانية معاني الحق والعدالة.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.