شعار قسم مدونات

الوزير الوفدي الذي أضاء المسجد النبوي

 

أحمد حمزة 1891-1977 سياسي وطني ووزير وفدي بارز، ظل على ولائه للوفد، وعانى بسبب هذا الولاء كثيرا، وكان نموذجا لرجال الأعمال الناجحين، الذين تمسكوا بهويتهم وانحازوا لها، أعطوا وطنهم عن حب وصدق، وعاشوا حياتهم متعففين عن استغلال السلطة والنفوذ ضاربين المثل الناصع للنجاح الملتزم.

ولد أحمد حمزة بقرية طحانوب بالقرب من شبين القناطر في مديرية القليوبية، لأسرة عرفت بالتدين والوطنية، وكانت أسرة ثرية ومؤثرة، وقد تلقى تعليما مدنيا متميزا، ثم سافر إلى برمنغهام بإنجلترا لدراسة الميكانيك.

 

مثال بارز بالنجاح في نقل التكنولوجيا

أظهر أحمد حمزة نشاطا اقتصاديا ناجحا، اعتمد في الأساس على النجاح في نقل التكنولوجيا وتوظيفها بعد عودته من تعليمه في الخارج، وقد أنشأ مصنعا للثلج؛ لمحاربة احتكار الأجانب لهذه الصناعة، الذي كان متمثلا في شركة القاهرة.

وامتد باستثماراته في عدة مجالات استهدفت الاستثمار في الزراعة، فاستنبت الزهور، وأسس معملا لتقطير ماء الورد والياسمين، وكان يرسل بعضه لغسل الكعبة المشرفة كل عام.

وفضلا عن هذا، فإن أسرته كثيرا ما تروي بالصور التذكارية دوره في تزويد المسجد النبوي بالكهرباء، وتكريم الملوك والأمراء السعوديين له، وحفاوتهم به عند تأديته الحج والعمرة؛ لكن بعض مظاهر نزعة السعودة الأخيرة أصبحت تحرص بشدة على إنكار أي جهد له.

 

مناصبه الوزارية

كان أحمد حمزة باشا من الوزراء، الذين عينوا في أثناء وزارة النحاس الخامسة في مايو/أيار 1942، حيث شغل وزارة التموين في الأيام الـ12 الأخيرة لوزارة النحاس الخامسة، ثم استمر وزيرا للتموين طيلة وزارة النحاس السادسة (مايو/أيار 1942-أكتوبر/تشرين الأول 1944). وقد خلف في هذا المنصب مكرم عبيد باشا فأثبت جدارة وتفوقا دفعت مكرم باشا نفسه إلى الإكثار من التعبير غير الواعي عن ضيقه من نجاحه، وهو أمر يلمسه قارئ الكتاب الأسود بوضوح، وقد عرضنا له بإيجاز وافٍ في كتابنا "المقامر والمغامر والمكابر".

وفي وزارة النحاس السابعة تولى أحمد حمزة باشا وزارتين بدأ بالزراعة من يناير/كانون الثاني 1950 وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 1950، ثم عاد إلى تولي وزارة التموين من نوفمبر/تشرين الثاني 1950، وحتى نهاية عهد الوزارة في يناير/كانون الثاني ١٩٥٢.

 

إنجازاته التنفيذية

وفي أثناء عهده بوزارة الزراعة شرع أحمد حمزة في تنفيذ خطط جادة لإعمار الصحاري، ونشر المراعي، كما وضع سياسات مُثلى لمقاومة الآفات.

 

دوره المخلص في مجلة لواء الإسلام

أصدر أحمد حمزة باشا مجلة "لواء الإسلام" (1947)، وقد عمل على استمرار صدورها حتى في الفترات التي عانى فيها من مصاعب اقتصادية؛ بسبب القرارات التي واجهها في عهد الثورة، فكان يقتطع من دخله المحدد بإجراءات التأميم ما يمكنه من تمويل طباعتها وإصدارها، وقد استمرت المجلة في الصدور من بعده، وقد تولت أمرها من بعده ابنته السيدة فاطمة حمزة، حتى توقفت عام 1989.

 

تراثه الفكري المجهول

نوه أستاذنا الدكتور محمد رجب البيومي إلى أن افتتاحيات أحمد حمزة باشا، التي واظب على كتابتها في كل أعداد مجلة لواء الإسلام تمثل عملا فكريا ذا قيمة جليلة، وإني لأرجو أن تنتبه أسرته إلى هذا فتنشر هذا الفكر الناضج، الذي يمثل شهادة على العصر، يقول الدكتور البيومي "ظل -أحمد حمزة باشا- 30 عاما يكتب افتتاحيات مجليّة متحدثا عما يشغل العالم الإسلامي من أحداث، ولو جُمعت هذه الافتتاحيات في مداها الطويل، لكانت 360 مقالة توجيهية، وما أجلها ذخيرة قلميّة كانت في حاجة إلى أن تستقرّ في أجزاء مُستقلة، بدل أن تتفرّق في أعداد المجلة على مدى 30 عاما".

 

كتاب لواء الإسلام

"(كان) هَمُّه الأولُ أن يجمع الصفوة من هؤلاء في مجلّة سائرة، فيكونون كتيبة مجاهدة، يُقنعون العامة والخاصة بآرائهم، ويشرقون بأفكارهم في كلّ داجية تلوح، وهذا ما كان، إذ سعدت المجلّة بأقلام الصفوة من ذوي الفكر الثاقب، وأُولي الصراط القويم، وفي طليعتهم الأساتذة الكبار محمد الخضر حسين، ومحمد أبو زهرة، وعبد الوهاب خلاف، ومحمد البنا، وعبد الوهاب حمود، وحسن عبد الوهاب، ومحمود عرنوس، ومن لا نستطيع الإحاطة بأسمائهم من هذا الطراز الرفيع".

 

حرصه على استمرار صدور المجلة

"وَجد أن مجلته تُحارب الظلمات ما استطاعت، وأن الجوّ العربي في حاجة إلى منارة إسلامية هادية. فكان يقتطع من ثمن لقمة العيش، وثياب الجسم، وأَجْر المسكن ما يمكنه من العمل على استمرار المجلة، وقد فقدت كلّ عون من اشتراك الهيئات الحكومية في المدارس والمعاهد والمؤسسات".

 

أعماله الخيرية

على مستوى العمل الاجتماعي والخيري أنشأ أحمد حمزة باشا كثيرا من الأنشطة الاجتماعية المفيدة، وبنى معهدا دينيا تابعا للأزهر.

 

نيله الباشوية

نال أحمد حمزة باشا الباشوية في 6 مايو/أيار 1951 مع مجموعة وزراء الوفد، الذين لم يكونوا قد نالوها حتى ذلك الوقت، ومن هؤلاء محمد صلاح الدين باشا وإبراهيم فرج باشا ومحمود سليمان غنام ومصطفى نصرت وأحمد حسين وعبد اللطيف محمود وعبد الجواد حسين وحامد زكي، ونالها معهم عبد الفتاح حسن باشا وكيل وزارة الداخلية، والأستاذ محمد رفعت مستشار وزارة المعارف، وأحمد إبراهيم رئيس ديوان المحاسبة.

 

اضطهاده في عهد 23 يوليو/تموز

تعرض أحمد حمزة باشا لما تعرض له الوزراء الوفديون من الاضطهاد طيلة عهد 23 يوليو/تموز، وقد امتدت المضايقات إلى ثروته ومشاريعه، وكان واحدا ممن شملتهم قرارات العزل السياسي، وصدرت في حقه قرارات عدة؛ لكنه ظل ملتزما ومعتزا بانتمائه الوفدي وإخلاصه لوطنه.

 

شهادة عبد الجليل العمري

يذكر الاقتصادي العظيم عبد الجليل العمري لأحمد حمزة باشا أنه لما تولى وزارة التموين نجح في كسر احتكار القمح، وقد أشار عبد الجليل العمري في مذكراته إلى إنه هو أيضا الذي بدأ الأخذ بسياسة الكوبونات في توزيع الأقمشة، وأنه كافأه من ماله الخاص على قدراته التنظيمية المبكرة.

"ولما أنشئت وزارة للتموين، عملت بها بعض الوقت، وشغلت فيها منذ سنة 1942 منصب مدير المكتب الفني، ويحضرني هنا قصة كان لها أبلغ الأثر في نفسي، ومن الخير أن أذكرها هنا لعل الذكرى تنفع الأجيال الشابة، كانت الأقمشة الشعبية من بفتة ودبلان وكستور توزع على جمهور الشعب بأسعار تقل عن تكلفتها الفعلية، وكانت الشركات التي تنتجها تُعوض خسارتها عن طريق رفع أسعار الأقمشة الأخرى، التي تنتجها كذلك، ولكن لما كان الطلب على الأقمشة الشعبية يزيد كثيرا عن المعروض منها، فقد أصبحت لها سوق سوداء، فما كان من وزارة التموين؛ إلا أن حاولت أن توزعها بكوبونات، ولكن التجربة لم تنجح، وكان من جراء ذلك أن اتهم بعض الموظفين بالرشوة، وقد يكونون أبرياء؛ ولكن هي طبيعة العملية توحي بقيام الشائعات، ولكني رجوته أن يُمهلني أسبوعا واحدا، فقد نستطيع أن ندخل الأقمشة الشعبية في البطاقة التموينية -شأنها شأن السكر والشاي- وذلك عن طريق ربط بقالي التموين بتجار الأقمشة، أو بمعنى آخر أن نحدد لكل بطاقة تاجر أقمشة تُشترى منه الأقمشة الشعبية المخصصة له، وقد تمت العملية بالفعل بالنسبة للقاهرة في خلال الأسبوع".

 

اعتزاز العمري البالغ بتكريمه له

"وبعد أن أثبتت التجربة نجاحها طبقناها على جميع القُطر، وقد كان ارتياح الوزير لنجاح التجربة كبيرا إلى درجة أنه جمع موظفي الوزارة (الديوان العام) إلى حفل قدم إلي فيها دبوس كرافت له رأس من الماس الحر، وقد اشتراه من ماله الخاص".

"وكان هذا أكبر تقدير أعتز به حتى اليوم، وخاصة أني كنت في ذلك الحين صغير السن نسبيا، فلم أكن قد جاوزت 37 من العمر".

 

وفاته

توفي أحمد حمزة باشا 1977.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.