شعار قسم مدونات

تركيا على صفيح ساخن.. ما التغييرات المرتقبة؟

Central Decision and Executive Board (MKYK) of AK Party

 

لا يخفى على كل مراقب ومتابع للشأن التركي -في هذه الآونة- حجم التقلبات السياسية المتسارعة التي تشهدها البلاد، سواء على مستوى السياسة الخارجية أو على مستوى التطورات الداخلية فيما يتعلق بتغير الهيكل التنظيمي للحزب الحاكم أو التغيير الوزاري الوشيك للحكومة، وهو ما سوف نتحدث عنه بشيء من التحليل في هذة التدوينة؛ من أجل تسليط الضوء على بعض النقاط غير الواضحة والتي تثير الكثير من التساؤلات.

 

تغيير وزاري مرتقب.. لماذا؟

يعتزم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إجراء تعديل وزاري على الإدارة التي تشكلت عام 2018، وتأتي التغييرات الوزارية المرتقبة في كابينة الحكومة في الوقت الذي تمر به البلاد بأزمة اقتصادية، تمثلت في الساعات القليلة الماضية بانخفاض قيمة الليرة التركية في سوق العملات الأجنبية.

وكان نائب رئيس حزب العدالة والتنمية ماهر أونال صرح لقناة "إن تي في" (NTV) أنه سيكون هناك تعديل وزاري في تركيا بالأيام القادمة، بعد تكهنات إعلامية في الفترة الأخيرة عن تلك الخطوة.

وقال أونال -ردًا على سؤال عن التعديل الوزاري- إنه "عندما يبدأ الحديث عن التغيير، وحتما عندما يتغير جزء، تكون هناك حركة في النظام بأكمله"، ولمَّح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 2023، وأضاف أنه "بالنظر إلى 2023، سيكون هناك تعديل جديد في الفريق، وليس في الحزب فقط. سنرى ذلك في الأيام القليلة المقبلة".

جاءت تصريحات أونال وسط أزمة في أسواق المال بعد أن عزل أردوغان محافظ البنك المركزي ناجي إقبال، بعد يومين من رفعه أسعار الفائدة لاحتواء التضخم، وعيَّن شخصية أخرى منتقدة لتشديد السياسة النقدية بدلا منه، وهو شهاب كافجي أوغلو.

 

 

تغييرات هيكلية في الحزب الحاكم

شهدت العاصمة التركية أنقرة الأربعاء الماضي انعقاد أعمال المؤتمر العام السابع لحزب العدالة والتنمية تحت شعار "ثقة واستقرار من أجل تركيا"، وقد جاء هذا المؤتمر العام عقب الانتهاء من المؤتمرات الفرعية للحزب في جميع المدن التركية، والتي شهدت تجديد نسبة 70% من كوادر الحزب في فروعه، وأبرز هذه التعديلات انتخاب "نوري كاباك تابا" رئيسا لفرع الحزب في إسطنبول، وهو الذي كان مقربا من البروفيسور نجم الدين أربكان، وهو أيضا أحد الموجودين في الصورة الشهيرة التي جمعت أربكان بعدد من تلاميذه في سيارة مكشوفة من الخلف.

وقد أسفر المؤتمر العام -الذي أدلى فيه 1560 مندوبا بأصواتهم في عملية الاقتراع- عن إعادة انتخاب الرئيس التركي رئيسا للحزب، بجانب انتخاب رئيس الوزراء السابق بن علي يلدرم، وكذلك نعمان قورتولموش نائبين للرئيس، ورُفع عدد أعضاء اللجنة القيادية العليا من 50 إلى 75 عضوا، وتشير النتائج إلى تغيير كبير في هيكلية القيادة، وهو انعكاس للتجديد الذي حصل في انتخابات فروع الحزب، حيث طال التغيير هيئات القرار المركزي والمجلس التنفيذي والمجلس التنفيذي المركزي، وهي أعلى هيئة لصنع القرار في "العدالة والتنمية".

اللافت في المؤتمر هو عودة بعض الشخصيات التي غابت عن الساحة السياسية في الفترات السابقة، كما أن التغيير فاق 50%، فضلا عن أن أبرز الوجوه القديمة من الوزراء السابقين والحاليين أصبحت خارج هذه الإدارة الجديدة للحزب.

 

ما طبيعة التغيير الوزاري المرتقب؟

انعكس التقارب بين العدالة والتنمية والتيار الإسلامي"ميلّي غوروش" (Milli Görüş) بزعامة "أوغوزهان أصيل تُرك" على الترتيبات التي جرت داخل الحزب الحاكم وعلى التغييرات الجارية في الحكومة.

لم يتطرق أونال خلال حديثه إلى آلية التغيير الوزاري، وفي المقابل توقع مراقبون أتراك أن يشمل التعديل الوزاري في الأيام المقبلة -بدرجة أساسية- إعادة ترتيب هيكلية الوزارات التي كان عددها 25 وتم تخفيضها بعد الدمج إلى 16 وزارة، على أن يتم فصل الوزارات المندمجة مرة أخرى.

وفي الأشهر الأخيرة من العام الماضي كانت مصادر صحفية مقربة من "العدالة والتنمية" قد توقعت أن يشمل التعديل الوزاري رفع عدد الوزراء من 16 إلى 19.

بالإضافة إلى تغيير عدد محدود من الوزراء الحاليين، إلى جانب فصل البعض الآخر، كفصل وزارة الثقافة عن السياحة، والأسرة عن العمل، والزراعة عن الغابات.

وقد نقلت "الجزيرة نت" عن مصدر خاص في حزب العدالة والتنمية، قوله إن التعديلات الوزارية ستشمل الداخلية والتعليم والصحة والثقافة والزراعة، وكذلك ستجري تعديلات على اللجان والدوائر الرئاسية، وتغيير في عدد من مسؤوليها، من بينها دائرة الاتصال.

ومن المرجح أن يتم تعيين وزير أو أكثر من الإسلاميين من داخل العدالة والتنمية، ويجري الحديث عن النائب البرلماني السابق أيدن أونال، ويُتوقع أن تكون هناك مواقع "ترضية" لأسماء كبيرة في الحكومة عبر رفع مكانتهم مع إنهاء الوظيفة.

 

لماذا التغيير الهيكلي للحزب وللكابينة الحكومية؟

يأتي الحديث عن إجراء تعديلات في أعضاء الحكومة التركية، عقب إتمام حزب العدالة والتنمية الحاكم تجديد كوادره، استعدادا لانتخابات عام 2023 الرئاسية والبرلمانية، وهو العام الذي يوافق الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية التركية، ويأتي التغيير أيضا في ظل الحديث عن تحركات يقودها أردوغان ويسعى إلى استكمالها في الفترة المقبلة، من أجل كسب أصوات جديدة من المحافظين، وخاصة المحسوبين على "حزب السعادة" التركي المعارض.

كما أن أردوغان يسعى لجمع الأحزاب الإسلامية وأنصارهم من المحافظين؛ من أجل الدستور الجديد الذي أكد على حاجة البلاد المُلّحة له، حيث قال -في المؤتمر العام الذي أقيم بأنقرة عقب إعادة انتخابه رئيسًا للحزب- إن "مناقشة إعداد دستور جديد للبلاد باتت أمرا حتميا؛ نظرا إلى تاريخنا والمتغيرات الدولية".

وبالتالي فإن أردوغان بحاجة ماسة إلى استقطاب الأحزاب الإسلامية المعارضة من أجل المشاركة في كتابة دستور جديد للبلاد بموافقة ومشاركة معظم مكونات الشعب التركي باختلاف شرائحه وفصائله، بجانب ضمان الموافقة عليه تحت قبة البرلمان، حيث إنه في حال نجاح حصول الدستور الجديد على تأييد ثلثي أعضاء البرلمان (أي 400 نائب) فإنه يُعرَض على الرئيس للموافقة عليه والذي يكون لديه الخيار إما بالموافقة عليه ونشره بالجريدة الرسمية ليصبح ساريا، أو إعادته للبرلمان من أجل إجراء مناقشات أخرى حوله، أو طلب الاستفتاء الشعبي العام عليه.

 

ملامح السياسة الخارجية للبلاد في الفترة المقبلة

أكد أردوغان -في المؤتمر العام السابع لحزب العدالة والتنمية بأنقرة عقب إعادة انتخابه رئيسا للحزب- أن تركيا ستواصل صياغة علاقاتها مع جميع الدول بدءا من الولايات المتحدة وحتى روسيا والاتحاد الأوروبي والعالم العربي.

وهذا التصريح يفسر حرص الجانب التركي على تغيير سياسته الخارجية التي كان يحرص عليها في الأعوام السابقة، وخاصة في فترة حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، حيث يُتوقَع أن تتحول السياسة الخارجية من الصدام والمواجهة إلى التفاوض والتقارب عبر فتح قنوات التواصل الدبلوماسية والاستخباراتية.

وهي السياسة التي طرأ عليها تغيير حقيقي في عدد من البلاد التي شهدت علاقاتها توترا مع تركيا، بدءا من الانفتاح تجاه العلاقة المقطوعة مع مصر، والعلاقة التي تم إحياؤها في الساحة الليبية، وصولا إلى إقليم القوقاز. وعلى الرغم من لغة العسكر التي كانت سائدة في النصف الثاني من العام الماضي، فإن أنقرة حاولت التخفيف منها مؤخرا، وذلك من خلال تصريحات لوزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو مبديًا فيها إمكانية تأسيس بلاده علاقات مع أرمينيا في حال التزمت باتفاق وقف إطلاق النار في إقليم قره باغ.

وتوقّع الباحث التركي إسلام أوزكان أن يستمر التصعيد في عام 2021 من جانب تركيا، معتبرا أن سياسة الحزب الحاكم لا يمكن أن تتراجع عن هذا التصعيد، كونها تحتاجه من أجل ترتيب البيت الداخلي، ومن أجل تعزيز صفوفها.

ويقول أوزكان إن "التموجات في السياسة الخارجية لتركيا ستستمر، لكن الخصائص الأبرز لها غير قابلة للتوقع، لأن شخصية أردوغان غير قابلة للتوقع أيضا، كونه يتراجع أحيانا ويُصعّد في مواطن أخرى".

حيث يستبعد أوزكان أن تتجه الحكومة التركية إلى سياسة "تصفير المشاكل" بعد الانفتاح الذي أبدته أنقرة مؤخرا في عدة ملفات، مشيرا إلى أن احتمال تطبيقها صعب إلى حد بعيد، لأنه يرى أن سياسة تصفير المشاكل تحتاج إلى رجل آخر وسلطة أخرى، وفي السابق كان عرّاب هذه السياسة (تصفير المشاكل) أحمد داوود أوغلو الذي يرأس حزب المستقبل في الوقت الحالي.

 

مستقبل الاقتصاد التركي

من المتوقع أن يحافظ وزير الخزانة والمالية لطفي ألوان على حقيبته الوزارية في التشكيل الوزاري الجديد؛ من أجل استكمال خطته الاقتصادية للإصلاح التي أعلن عنها عبر موقع الوزارة، والتي تضمنت تحقيق 10 أهداف رئيسية يأتي على رأسها استقرار الأسعار وتسهيل التجارة الداخلية وتحفيز الاستثمارات ومراقبة الأسواق وحوكمة المؤسسات، ومن المخطط -حسب الجدول الزمني- إتمام كافة إجراءات حزمة الإصلاحات الاقتصادية بحلول شهر مارس 2023.

كما أعلن أردوغان خلال المؤتمر العام في أنقرة عن المشاريع القادمة التي سيقوم بها الحزب في الفترة المقبلة، وأكد على السعي نحو تحقيق أهداف تركيا المنشودة لعام 2023 ثم 2053، وقال:

إن الذين شغلوا تركيا بمشكلاتها الداخلية على مدى القرنين الماضيين وأبعدوها عن التغيرات الجذرية، لن ينجحوا في محاولاتهم المتجددة.

ولفت إلى أن تركيا أثبتت مرارا مقاومتها للصدمات عبر الهيكل الديناميكي لاقتصادها والانضباط المالي والتزام قواعد السوق الحرة.

تشهد السياسة التركية حاليا تقلبات وتغيرات سريعة على المستويين الداخلي والخارجي، وهو ما يستبشر به البعض، داعيا إلى مزيد من الإصلاحات الفعّالة، من أجل تحقيق مزيد من الاستقرار على كافة المستويات والأصعدة، إلا أنَّ البعض يقف مُتحيّرا مترقبا لما سوف تؤول إليه الأمور في الأيام القادمة، وكما أنني أواجه علامات استفهام تجاه العديد من التغيرات السياسية على الساحتين الداخلية والخارجية، إلا أنني أنظر بعين التفاؤل للفترة المقبلة وأستشعر في ذات الوقت حجم التحديات التي تواجه الحزب الحاكم بهيكله الجديد والتشكيلة الوزارية الجديدة.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.