شعار قسم مدونات

الإتيكيت.. ضرورة أم رفاهية؟

تعليم الأطفال اتيكيت المائدة رفاهية أم نمو عقلي

 

يظن كثير من الناس عند سماعهم لكلمة "إتيكيت" بأنه ذلك الفن، الذي يُعنى بجانب من الرفاهية مثل الطريقة الصحيحة لكيفية استخدام الشوكة والسكين، وطريقة تناول الطعام وترتيب المائدة، وغير ذلك من الأمور التي تعد في نظر الكثيرين نوعا من الكماليات.

ولكن حقيقة الأمر بأن تعبير "الإتيكيت" تلك المفردة، تترافق دوما مع مفهوم الجمال، وقد تحدثنا سابقا في تعريف الإتيكيت بأنه فن الخصال الحميدة والذوق العام وعلم آداب السلوك والمعاشرة، وهو فن ممارسة الحياة اليومية بأفضل السبل وأكثرها رقيا وتهذيبا، فعندما ننظر إلى ملكة الجمال على سبيل المثال نجد أنها يجب أن تتحلى دوما بهذا النمط الراقي من السلوكيات؛ لأن الجمال لا يكتمل فقط مع الأناقة والرشاقة، بل أيضا مع التصرف الحسن الراقي.

والإتيكيت هو قاعدة مهمة يجب أن نستخدمها جميعا في حياتنا اليومية، فننقلها من خلال الممارسة إلى أبنائنا. فينشأ جيل واع يملك من الأخلاق والعادات والأعراف الحسنة، التي تمكنه للنهوض بالمجتمع وكذلك السمو بالعلاقات الإنسانية.

 

أسس وقواعد

يحكى أن لويس الـ13 ذهب لزيارة ريشليو (Richelieu) أحد وزرائه، حيث كان مريضا ومستلقيا على سريره، وعندما دخل عليه الملك كان الموقف محرجا؛ إذ إن القاعدة تقضي بأنه لا يبقى الوزير مستلقيا بينما يظل الملك واقفا أو جالسا، فما كان إلا أن استلقى الملك بجانب وزيره، وقد أزال بذلك حرج الموقف.

إن الإتيكيت يُعد من السلوكيات الإنسانية التي يجب على المرء أن يضعها في اعتباره أينما ذهب، وحيثما جلس أو تحدث مع جلسائه في موضوع من الموضوعات.

لقد أصبح للإتيكيت أسس وقواعد معروفة يعمل بها في المجتمعات المتحضرة.

 

المعيار الحقيقي

إن تحسين سلوك الإنسان والرقي به نحو السلوك والتصرف الحسن هو أحد أهم معاني وأهداف الإتيكيت. فنحن نحتاج إلى تعلم هذا الفن؛ لكي نهذب تصرفاتنا ونتعلم من تجاربنا، لأن التعامل مع الآخرين فن قد لا يتقنه كثير منا، فهو ليس مجرد تعامل عشوائي، بل له آداب وأصول وقواعد.

إن مخالفة قواعد الإتيكيت تجعل الشخص يبدو همجيا بلا ذوق ولا لباقة، فالالتزام بأصول وقواعد الإتيكيت في أي ظرف أو مكان، يحمي صاحبه من الهفوات والإساءات، خصوصا أن قواعد السلوك وآدابه تشمل كل تحركات الفرد في كل مجالات الحياة.

فهناك آداب الحديث، وآداب المائدة، وآداب المشي والجلوس، وآداب التعامل مع الآخرين في الحفلات والمناسبات من أفراح وأتراح، وغيرها الكثير والكثير من الآداب والقواعد.

ومع ذلك، يمكن الخروج في بعض الحالات، عن قواعد الإتيكيت في حال تعارضت مع تعاليم الدين أو العادات أو التقاليد، أو هددت قواعد الصحة العامة التي تفرضها اتفاقيات دولية. ومن الضروري أيضا، أن تتوافق التصرفات الشخصية وقواعد الإتيكيت مع الآداب العامة، علما بأن من أهم السمات المميزة لعلم الإتيكيت، أنه ينظِّم سلوك الأفراد والجماعات في كل الأحوال والمواقف التي تواجههم.

إن آداب السلوك تستهدف احترام الآخرين واحترام تقاليدهم وعقائدهم الاجتماعية، وهي معيار الإنسان المتحضر، ودليل على ثقافته ورفعة بيئته التي ينتمي إليها، ويوصف ذلك الإنسان عادة بالكياسة واللياقة والدبلوماسية.

إذن .. هو مُهم

الإتيكيت سمة تنتشر كإحدى وسائل الضبط الاجتماعي بحيث تنظم العلاقات الخارجية للأفراد مع الجماعات، وبالتالي تنظم الحريات الاجتماعية الخارجية، ويرتبط هذا المفهوم ارتباطا وثيقا بالمجتمع الذي يسود فيه تنظيم تسلسلي.

ويعتبر الإتيكيت ميزان الرقي في الأمم، غير أنه من العسير الإجماع على سلوك اجتماعي خاص يُتخذ ميزانا لذلك الرقي، ففي وسع كل جماعة أن تدعي أن سلوكها الاجتماعي هو النموذج المحتذى والمثل الأعلى، ولعل هذا يفسر اختلاف قواعد السلوك الاجتماعي باختلاف الجماعات والأمم واختلاف العصور؛ إلا أن هناك فضائل عامة مشتركة تتخذ مقياسا لتقدمها ورقيها، كالصدق والأمانة والوفاء والتسامح والإيثار والتعاون.

إن هذا الفن وهذا العلم الخاص بآداب السلوك لهو ببساطة يساعد الناس على الانسجام والتلاؤم مع بعضهم البعض ومع البيئة التي يعيشون فيها في مجتمعاتهم.

فحسن التعامل واللباقة ودماثة الخُلق باتت اليوم لغة عالمية مشتركة، وتطبيق مبادئ الإتيكيت يقدِّم دليلا قاطعا على احترام الإنسان لنفسه، وتقديرها.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.