شعار قسم مدونات

التطورات التي طرأت على حلّة الإمبراطور الجديدة

 

إمبراطور الزيّ الفريد، هو أول عارض أزياء معروف على وجه هذه المدحية؛ لكن مصير الغلام المقدام بطل الحفلة، الطفل المعجزة، ما زال غامضا. كانت الحفلة بمناسبة عرض الزي الوطني، وكان العارض هو الإمبراطور.

وكان والد "مقصوف العمر" اصطحبه إلى الحفل الإمبراطوري، وهناك رواية تقول إنّه لم يُدعَ، وإنّما سرق دعوة والده وقصد الحفلة وحده، وتسلل إليها من غير أن يلمحه حكم الساحة وحكما التماس، وبقي أمر دعوة الغلام لغزا لم يجد له علماء الفلك وعلماء الكيمياء تفسيرا.

كان الإمبراطور قد أوصى خيّاطه بخياطة كسوة لا عهد لأحد بها. وجاء مصمّم الأزياء ومدبّر الهيئات وصانع الكسوات وساتر العورات، على ما قرأتم في حكايات مجلات الأطفال وكتبهم، ولم يكن قد حاكَ شيئا بالإبرة، فتظاهر وكأنه يلبِّس الإمبراطور بيديه ثوبه تلبيسا، وبحث كثيرون عن الواقعة في كتاب الإمام أبو الفرج ابن الجوزي " تلبيس إبليس"، فلم يجدوها.

واستسلم الإمبراطور للحكاية والمحاكاة، فحكَّ الغلام عينيه، وسأل جاره أن يقرصه؛ ليتأكد أنّه ليس في حلم، لأنه رأى الإمبراطور عاريا، والمدعوون يثنون على زيّه، ولأن الغلام لم يجرِ تطبيعه على الطبائع المحدثة؛ بل كان على طبيعته الفطرية، وسجيته الأوّلية.

هتف وكأنه يشاهد هدفا في مباراة "ولكن الإمبراطور عريان". لم يصفق أحد للهدف؛ لأنَّ الجمهور لا يصفق لهدف يقع في مرماه، إلا الجمهور العربي طبعا.

الحكاية تقول إن ذلك الغلام اعتقل، واعتقل معه أبوه وخاله وعمه، وأطلق سراح الجميع إلا الغلام؛ لأنّ قوانين المملكة لم تكن تجيز أخذ البريء بالمذنب، فلبث في السجن بضع سنين، جاء في أرجح الأقوال إنّها سنة وازدادت تسعا، وكان ما يزال في صحة وعافية؛ لأن المعتقلات القديمة كانت تحفظ حقوق السجين في الطعام والشمس والنوم، فخرج وتزوج صبية حسناء، وأنجب ولدا، والغلام أنجب أولادا، وتناسلوا حتى امتدت السلالة 40 جيلا. وإن الحفيد الـ41 دُعي إلى عرض الزيّ الوطني، ولا نعرف كيف تسلل إلى الحفل، إذ لم يلحظه حكم الساحة ولا حكما التماس، وما يزال الأمر لغزا عجز العلماء عن تفسيره وتأويله.

وهناك قولان الأول إنّه سرق دعوة والده، فتسلل إلى الحفل ووجد الرئيس عاريا، والثاني إنّ الحاشية ظنته ابن الرئيس أو ابن رئيس الوزراء، فلم تسأله عن كيفية حصوله على بطاقة الدخول، فشُبّه لهم، والتبس عليهم تلبيس إبليس.

وكان الإمبراطور قد صار رئيسا، الرئيس هو لقب الإمبراطور الجديد، المعدل جينيا ليناسب لغة العصر، فهناك أزياء لفظية للمناصب أيضا.

وكان المدعوون يثنون على زيّه الجمهوري، وكأن شيئا لم يتغيّر، الأباطرة والملوك ورؤساء الجمهوريات ما يزالون عراة، والشعوب ما تزال تثني على عريهم، وكان الغلام قد اكتسب خبرة عبر الأجيال، تناقلها أجداده كابرا عن كابر، فهمس لنفسه هذه المرة، وهو يرى الرئيس عاريا "أف.. الجو حار". وخلع ثيابه وتعرى، مع أن الوقت شتاء، والثلج كان يهمي في الخارج.

وقال لنفسه كأن المدعوين يلبسون ثيابا كثيرة لا لزوم لها، فسرت الهمسة بين الحضور، فتعروا جميعا إكراما للرئيس.
رئيس الجمهورية أيضا هو حفيد الإمبراطور الـ40، وما زال مثل جدّه يحبُّ الأزياء التي لا عهد لأحد بها، وقطف نجوما وطيورا من السماء، وحنطها على كتفه، فهو الأول في كل مجال وميدان.

هو الفارس الأول، والقاضي الأول، والمعلم الأول، والحداد الأول، والنجار الأول، والخباز الأول، والمهرج الأول، والمجرم الأول، والفحل الأول.

وقد استعظم الإمبراطور الـ40 فضيحة ذلك الطفل الشقي مقصوف الرقبة، الذي فضح جده، فاخترعت الأمانة الإمبراطورية عبارة على بطاقة الدعوة هي مسموح بالدخول فقط لمن هو +18.
18 للعمر لا للوزن، فالضيوف ليسوا مسافرين في الطائرة إلى الآخرة.

وحرص الإمبراطور، الذي يحكم بلقب الرئيس، أخو الحفيانة، على أن يكون المدعوون عراة، ليس من الثياب وإنما من الآداب، والقانون، والشريعة، ومن ورقة التين الأخيرة، وورقة الصنوبر الأولى.

ليس المدعوون فقط من تعروا، وإنما الشعب أيضا، وذلك بالحرمان من الخبز، فالجوع أحد العريين، أو أحد العارَين. وما فروع المخابرات إلا أجهزة كشف وتعرية، انتقاما من كل من يحاول كشف غير المستور.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.