شعار قسم مدونات

أشكال الاستبداد في واقعنا المعاصر

 

حقيقة الاستبداد وأبعاده تتكشف منذ الوهلة الأولى لتعريفه اللغوي والاصطلاحي، وتبين حقيقة قهره وإهداره لأهم القيم، التي قامت عليها الحياة على كوكب الأرض، وهي قيمة الكرامة الإنسانية الوجودية، وحرمان الإنسان والمجتمع من حقه في الحرية والاختيار، ومن العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والتعبير عن مواهبه وقدراته وإمكانياته وإبداعه.

 

الاستبداد من المهد هو الذي مكن له حتى اللحد

ومن حقائق الواقع أن الاستبداد الناعم الخفي، الذي يمارس على الفرد بأشكال عدة، وفي مراحل عمرية مبكرة، بداية من استبداد الأب بالأبناء وبالزوجة، واستبداد الأخ الأكبر على الصغار، والذكر على الأنثى، والمدرس على طلابه، والمدير على موظفيه، تحت أغطية كثيرة تأخذ أشكالا ومسميات مختلفة، الاحترام والتقدير المفرط للكبير على حساب الذات والحب والحرص الأعمى، والمصلحة والصلاحيات الإدارية..إلخ، بدون أن ندري جميعا أنها تمهد لاستبداد كبير أكثر خطورة وأعم بلاء، هو استبداد الحاكم بالمحكومين.

ولا شك أنها هي التي كرست له، ومكنت لتغلغل وتمكن الاستبداد في حياتنا، وتحوله إلى ثقافة مألوفة، فلا نكاد نكتشفه إلا عندما ننتقل للعيش في مجتمعات أخرى، فنكتشف أن هناك ما يسمى بالكرامة الإنسانية والحرية وحقوق الإنسان، ومشاركته الحقيقية في الحياة العامة بكل تفاصيلها، وبذلك أصبح الاستبداد نمط حياة طبيعيا بدون أن ندري، حيث إنه بدأ مبكرا من المهد بدون أن نختاره، واستمر معنا الى اللحد بدون أن ندري.

 

حقيقة الاستبداد

الاستبداد لغةً وبمعنى مجرد هو الإحساس المفرط بالذات، والغرور بالرأي، والتعالي ورفض المشاركة والنصيحة والانفراد بالرأي، واغتصاب حقوق الآخرين في المشاركة. وإداريا واجتماعيا وسياسيا هو فرض الرأي والقرار والفعل، ومصادرة حق الآخرين في المشاركة، وإلغاء المؤسسية والتحول إلى الحكم الفردي المطلق الشمولي.

بما يعني:

  • الانفراد المطلق بالسلطة والقرار.
  • إلغاء أصحاب الحق في المشاركة.
  • إكراه الآخرين على الانصياع.
  • تأليه المستبد، وتحويل الأفراد إلى مجرد قطيع يقاد بلا إرادة.
  • توظيف وتعبيد المجتمع للمستبد.

 

أشكال الاستبداد في واقعنا المعاصر

  • الحكم الفرعوني، حكومة الفرد المطلق.
  • الحكم العسكري، وإن كان بزي مدني.
  • الحكم بالتوريث، خاصة غير المقبول شعبيا.
  • السلطة الدينية لعلماء الدين، وفرض سطوتهم الدينية على عقول وأفكار ومعتقدات الناس.
  • النظام الدولي بأدواته الأممية وأذرعه الاقتصادية والإعلامية والسياسية.

 

الشرعية المزيفة لنظم الحكم الاستبدادية

تستمد النظم الاستبدادية شرعيتها المزيفة من 3 أشياء.

  • شرعية الأمر الواقع بالقوة الصلبة الباطشة ضد أو مع أي معارض أو مهدد حالي أو مستقبلي لها.
  • الاستقواء بالقوى العالميَّة، والتعاقد معها على دفع ثمن شرعية الاعتراف والحماية.
  • تجهيل الشعب وتغييب وعيه حتى يستسلم ويرضى ويقبل بالأمر الواقع؛ ليعيش ضمن قطيع شعبي يقبل بما يتفضَّل به النظام الحاكم عليه.

فهي نظم حاكمة تفتَقِر إلى الشرعية الحقيقية للحكم بالاختيار الشعبي، بمعنى إنها تتجاوز الشعب ولا تحترمه، ولا تقدر رأيه واختياره ومطالبه، كما تعمل على حصار ومطاردة والتخلص من كل مهدد لها.

 

آلية عمل الاستبداد وتحكم الفرد الواحد في 100 مليون من البشر

بإيجاز ومباشرة سأجيب عبر هذا الهرم عن سؤال وآلية عمل الاستبداد عبر تحكم مستبد واحد في القوة الصلبة للدولة، وتوظيف عصبة من المفسدين المنتفعين من حكمه وفساده في كافة قطاعات الدولة، خاصة من رجال الأعمال والدين والثقافة والإعلام، وتسخير ملايين الشعب المستكين لخدمتهم والتحول إلى نظام وجيش مالك للدولة وللشعب.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.