حين أراد موسى عليه السلام أن يعبر البحر أوحى إليه ربه "أن اضربْ بعصاكَ البحرَ"، ونجحت ضربة العصا في شق البحر نصفين حتى تمكن موسى وأتباعه من عبوره.
حين عجز المسلمون عن اقتحام أحد الحصون المنيعة في إحدى المعارك طلب البراء بن مالك أن يرفعه أقرانه على الرماح ويلقون به داخل حديقة الموتى، ليتمكن البراء من قتل 100 كافر في إحدى الروايات، ويفتح الباب لأقرانه وينجو بحياته.
ويقال إن السبب الرئيسي لسقوط الاتحاد السوفياتي كان الكذبة التي قام بها أحد المسؤولين بخصوص فضيحة تشرنوبل.
وخلال حرب 1973 في أكتوبر/تشرين الأول نجح الجيش المصري باقتحام خط برليف وتدمير العدو في غضون 6 ساعات كما قال رئيس الدولة حين ذاك، وكان السبب الرئيسي لتدمير خط برليف هو "خراطيم المياه" كما نسميها في مصر.
كل تلك مجرد أسباب، ورغم أنها صغيرة بدأت بضربة عصا ثم انتهت بأنابيب تضخ الماء، فإنها انتهت نهاية كبيرة وحققت أهدافا عظيمة، وقد لا يسعني المجال لذكر أمثلة عدة تتوارد على ذهني، لكن الشاهد المشترك في تلك القصص هو أن الأسباب الصغيرة حققت أماني كبيرة.
ابدأ من حيث أفسد الآخر
حين أراد الغرب الإطاحة بالمسلمين كان جل اهتمامهم الأول هو تدمير المرأة، فيعملون على تغير ذوقها ومعتقداتها وهويتها والسيطرة على مشاعرها وتشكيلها وفق المطلوب، جعلوا منها سلعة، فأسقطوها بالبداية في خديعة الموضى والأزياء التي تكشف أكثر مما تستر، فأصبحت سجينة لأفكارهم الرعناء، ثم انتقلوا إلى خديعة الحجاب، ثم في خديعة الحرية، فنقلوا المرض منهم إلينا، حتى تتشابه المجتمعات، ويتفوق صاحب القوة في العدد والعدة، ويموت صاحب الإيمان، ولا يكلف نفسه بقتله حتى؛ بل يقتله بيد أخيه وصديقه.
والمرأة هي عماد المنزل وربته، هي التي تقوم باختيار أزياء أطفالها وتحظى بالجزء الأكبر من الرعاية والتربية، فتلك الفتاة العشرينية التي ترعرعت على أفكار أوروبية وتشبعت من بحر الفساد الأخلاقي هي التي تقوم بإنتاج جيل جديد يشبهها، فينتشر المرض، وتتشابه الأخلاق، وتلد المرأة الفاسدة مفكرا فاسد وتكون أسرة فاسدة، ويصبح مجتمعا فاسدا، تنتشر فيه الرشوة والمحسوبية، والزنا والسرقة وتعاطي المخدرات، والتحرش وغيرها من الأمور القبيحة.
ولو دققت النظر قليلا ستجد أن تلك الحرب ما زالت قائمة، وهذه المعركة ستظل مستمرة، فنحن نسمع من أبناء جلدتنا من ينادي الآن بخلع الحجاب الذي يهدد استقرار المجتمع، ويزعزع الأمن الوطني ويحرض على العنف والإرهاب، ويحجم جمال المرأة، بل يقتله في بعض الأحيان على حد وصف البعض.
ولست بهذا الكلام ألوم النساء، بل أنا فقط ألفت الانتباه، وأحدد موضع الألم، كالطبيب الذي يصف العلاج لمريضه.
العلاج الأمثل
ما زلت أذكر أنني قرأت بقية لقصة موسى عليه السلام، حين عبر البحر أنه ظل يضرب بعصاه على البحر ليعود كما كان حتى لا يعبر إليه فرعون وجنوده، فيتساقط منه العرق وهو يحاول جاهدا أن يغلق البحر بعصاه، ربما ظن أن السر بالعصى، فتأتي الإجابة سريعة ﴿واترُكِ البَحرَ رَهوًا إِنَّهُم جُندٌ مُغرَقونَ﴾ [الدخان: 24]، اترك البحر يا موسى فالسر ليس بالعصى، لقد كانت سببا فقط، حتى لا يظن البعض أن الأمور تسير بلا أسباب ومسببات، حتى لا يتواكل الناس فيهلكوا جميعا.
إذن لا بد من السعي
والسعي يبدأ بالتوبة، لذلك يقول الله "وإن عدتم عدنا"، إن عدتم للطاعة عدنا بالرضا، وإن عدتم عن الذنب عدنا بالتوبة، وإن عاد المجتمع لدينه فاز بالدنيا والأخيرة، وإن عدتم بالإعداد ما استطعتم عدنا بالتمكين، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها يعني أن الله سيمكن لنا إن تمكنا من ضبط أنفسنا، بإحياء علوم الدين في قلوب وعقول أطفالنا، إن عدنا لإنتاج جيل يخشى الله دون سواه.
والبداية يجب أن تكون من حيث أفسد الآخرون، نصلح الفتاة فتربي عالما وطبيبا وأديبا وشاعرا وإماما وقائدا، ثم تكون أسرة صالحة فينتج مجتمع يُنتج دواءه وغذاءه وسلاحه، مجتمع صالح لا يقبل الضيم ولا ينزل على رأي الفاسدين، ولا يخشى سوى الله.
فالعارف بالسنن الإلهية يعلم أنها لا تتغير، فالذي مكن العرب الذين كانوا يسجدون لأصنام صماء بكماء حين أسلموا، سيمكن المسلمين الذين يعرفون دينهم ويتلون القرآن حق تلاوته ويؤمنون به، لنعد إذن من حيث بدأ أسلافنا، لنعد حتى يتحقق قول الله ﴿وَنُريدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ استُضعِفوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوارِثينَ﴾ [القصص: 5].
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.