شعار قسم مدونات

فن الإنصات

كيف يمكنك إقناع شريك حياتك بالإنصات والأخذ بنصائحك؟
القدرة على الاستماع للآخرين والإصغاء لما يقولونه هو فن وأي فن! (غيتي)

من القواعد الأولية لكي تكون إنسانا لطيفا هي أن تبدي اهتماما بكلام الآخرين، لذا فالشخص الاجتماعي تتوافر فيه صفة مهمة وهي الإنصات للغير باهتمام وترك الفرصة لهم للتحدث بل وإشعارهم بأهميتهم.

تحدثت في مقالتي السابقة عن لباقة الحديث والحوار وأرى أن الإنصات الجيد والواعي مهارة لازمة ومكملة لفن ولباقة الحديث، كما أنها تستدعي التركيز وبذل الجهد، ومن المقولات التي يرددها خبراء علم النفس أننا نفكر بأضعاف السرعة التي نتكلم بها، ولذا فنحن حين ننصت تكون عقولنا في سباق، وعلى ذلك فإننا غالبا ما نسقط أو نطرح أفكارنا وأحكامنا على ما يقال لنا طبقا لما يرد في أذهاننا، وليس طبقا لما نستقبله من رسائل أخرى.

استنصت الناس

من الأمور المهمة التي علينا أن نأخذها بعين الاعتبار أن الحاجة إلى الإنصات للآخرين باتت ضرورة حتمية خاصة أننا في عصرنا الحاضر أصبح كثير من الناس يظنون أنه لم يعد هناك من يحسن الإصغاء، وكذلك في ضوء التطورات السلوكية، وما يحكم هذا العصر من سرعة دوران عجلة الزمن فيه، ورغم ذلك فإن الإنصات للآخرين يعتبر أحد سمات التحضر، ويمثل فرصة أكبر للانطلاق في مجال التعاملات المختلفة سواء الرسمي منها أو الاجتماعي.

لذلك علينا أن نستنصت الناس ونستغل حكمة الإنصات الجيد، والتركيز بعمق أثناء الإصغاء، وأن يكون الرد على ما يقال فعلاً ولا يكون هدفنا أخذ الميكروفون والتحدث بدلاً من الإنصات وبذلك نشعر المتحدث بالراحة أثناء الحديث، وأيضا نشعره بنوع من الاحترام لما يقوله حتى إذا لم نكن مفتونين أو منجذبين للحديث وموضوعه، فنحن بذلك ننمي لدينا مهارتي الحكمة وطريقة النطق ونكون أشخاصا جاذبين لا طاردين.

فن وأي فن!

حقا إن القدرة على الاستماع للآخرين والإصغاء لما يقولونه لهو فن وأي فن، فهو ليس فقط مهارة على الإنسان أن يكتسبها لكي يحسن التواصل بينه وبين الآخرين ولكنه فعلاً فن، فهو أساس كل حديث جيد، ويعتبر من مفاتيح الدبلوماسية وآداب السلوك والتعامل "الإتيكيت" أن تتصرف أثناء حديث الآخرين كما لو كنت متشوقا لما يقوله الناس حتى إن لم تكن كذلك، فمن الجفاء والاستهانة أن تشعر المتحدث أو تظهر له إحساسك بالملل.

سنة نبوية

إن الإنصات والإصغاء ليس فنا ومهارة فحسب بل هو سنة نبوية فنرى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يستمع لزوجاته باهتمام ولا يقاطعهن ففي حديث النسوة اللاتي اجتمعن وتعاقدن ألا يكتمن من خبر أزواجهن شيئا وهو حديث أم زرع الوارد في صحيح البخاري والذي حكته أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها.

ففي الحديث أحبت أم زرع أبا زرع وبادلها حبا بحب، كان في الحديث استطالة ومع ذلك لم يقاطع النبي -صلى الله عليه وسلم- حديث عائشة، حتى أسفت هي لطلاق أبي زرع زوجته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سأكون لك كأبي زرع لأم زرع غير أني لا أطلقك".

وصايا مهمة

ولتحسين مهاراتنا في الإصغاء علينا اتباع وصايا الإنصات الجيد والتي وضعها أحد خبراء فن التعامل "الإتيكيت"، تتمثل فيما يلي :

  • توقف عن الكلام، وانظر إلى وجه محدثك.
  • اجعل المتحدث يشعر بالارتياح.
  • اجعل المتحدث يشعر بأنك تريد الإصغاء، واظهر بمظهر المهتم بعمق لما يقوله.
  • تخلص مما يشتت الانتباه.
  • تعاطف مع المتحدث، ولاحظ الميل الذي يتملكك تجاه المتحدث الممتع، ونفورك من صاحب الحديث الممل.
  • كن صبورا.
  • حافظ على مزاجك وتجاوبك مع المتحدث وساعده.
  • لا تتوقف عند النقاط التي تتعلق بالجدل أو الانتقاد، ولا تقاطعه أثناء الحديث، بل اطلب منه أن يحكي أكثر.
  • اسأل بعض الأسئلة في نهاية الحديث، ولا تنجرف عن موضوع الحديث، واستخدم كلمات المتحدث في وجهة نظرك التي تعمل على إيصالها إليه.
  • توقف عن الكلام مرة أخرى.

لنقطف الثمار

مما لا شك فيه أننا إذا مارسنا هذا الفن واكتسبنا تلك المهارة سنستطيع قطف العديد من الثمار كتوفير الوقت والجهد وسرعة حل المشكلات، كذلك يظهر تقديرنا للآخرين واحترامنا لوجهات نظرهم كما أنه يسهم في إعطائنا صورة دقيقة للموقف، إضافة إلى أنه يسهم في تفهم أبعاد الموضوع وإدراك كيفية التعامل معه، وفوق كل ذلك فإن الاستماع والإنصات الفعال يحقق مبادئ الحوار الإيجابي المثمر ويشجع العمل الجماعي الجيد.

وأخيرا، فإن الاستماع للآخرين باهتمام والإنصات لهم يبني في القلوب جسورا من المحبة والألفة، فإذا أردت أن تكون مهما فلتكن مهتما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.