شعار قسم مدونات

سنة ثالثة "غربة"

blog- الغربة
ها أنا أحصي أيامي وقد أصبح عمر غربتي 3 سنوات على التوالي وربما تزيد قليلا (رويترز)

أبتدئ بتذكر نفسي وأنا متكئ على قدم أمي وهي تتلمس رأسي بأناملها من الناصية إلى جدار رأسي، وهي تغني لي: "ها الأسمر اللون، ها الأسمراني، تعبان يا قلب خيو هواه رامني".

ركيكة تلك الكلمات التي أصوغها ثم أمحوها من جديد، أتلعثم في انتقاء مفردات تصف ما أعيشه في حياة مليئة بالروتين الدائم.

هناك عند مفترق الطرق أقف تائها لكثرة المفارق أحملق في الطرقات إلى أين الوجهة؟ لطالما أكرر السؤال على نفسي، ودائما أبدا ينبغي أن تسأل نفسك: إلى أين؟ في كل وجهة تتجهها في دينك وثقافتك وحياتك وعملك، لكي تصل إلى وجهتك دائما كرر السؤال: إلى أين؟

يوم يشبه الأيام الماضية وحتى المقبلة، لا يتغير شيء سوى عمري وملامح وجهي ولون شعري. تبلدت المشاعر وتكاد تنعدم إلى أن أصبحت جافة كأرض الصحراء، الصحراء التي لا تشتاق إلى المياه، كذلك أمسى الشوق عندي لدمشق. لم تعد تؤثر بي تلك العبارات الرقراقة كما كانت في الأشهر الأولى في الغربة، لم تعد كلمة دمشق وياسمين وحتى المسجد الأموي يربطني بدمشق، لم يعد يربطني بها إلا قاطنوها.

وكما قال الشاعر:

أمرّ على الديار ديارِ ليلى

أقبّل ذا الجدارَ وذا الجدارا

وما حبُّ الديار شغفنَ قلبي

ولكنْ حبُّ من سكنَ الديارا

رأيت أن قيس بن الملوح هو الذي جسد مشاعري بحذافيرها.

ها أنا أحصي أيامي وقد أصبح عمر غربتي 3 سنوات على التوالي وربما تزيد قليلا، لا يراودني الشك أنها ستزيد أكثر، مع قلة الشوق لدمشق إلا أني ما أزال غريبا تائها بلا وطن. أحيانا أتحاشى النظر في المرآة لأني أشعر بشيء غريب، أضع أناملي على وجنتي وأتلمسها. هل فعلا هذه وجنتي؟! أخطف نظراتي نحو شعري وأرى كيف بدأ الشيب يغزوه، أحدّث نفسي أني ما زلت في مقتبل العمر، وما أراه إلا دراما تحدث مع كل مغترب.

في كل صباح هنا أستفيق على صوت هاتفي لا على صوتي أمي، وأقوم بأعمال روتينية بحتة.

وفي كل مساء أنام على سكون الليل تارة، وتارة أخرى على صوت نفسي لا على صوت أبي وهو يقول: تصبح على خير.

أكنز في صدري حبا إذا وزّع على أهل الأرض لكفاهم قرونا بل أبد الدهر، يطرق قلبي حاملا معه شوقا:

كـ حبيس يتوق إلى حريته

كـ ثكلى تتمنى عودة ابنها

كـ أبتر يأمل أنه لم يفقد أطرافه

كـ حرّ يتمنى رحيل الأسد

وتكثر الكافات وقلبي مزدحم بالاشتياق لعائلتي

في السنة الثالثة من الغربة كل شيء مؤقت

أعمل لسنوات وأقول إن هذا عمل مؤقت

أعيش في بيت مؤقت، أتعب وأقول هذا مؤقت

أرسم مستقبلي على ورق مؤقت، حتى البطاقة التي أحملها تدعى حماية مؤقتة.

إن الغربة والوطن، والظالم والمظلوم، والشك واليقين، والحب والكره، والقوة والضعف، والأم والحرية، والعبودية والعدالة، كلها مؤقتة، لا شيء يبقى إلا الله جل وعلا.

لا بدّ من كسر الروتين القابع على عاتق أيامنا، ولا سيما أن نحطم ذلك الروتين بأشياء لم نكن نفعلها أو لم نعد نفعلها.

  • كالابتعاد عن الإنترنت والحياة الافتراضية بقراءة كتاب أو مجلة.
  • التعرف على أصدقاء جدد وبناء علاقات تعاونية.
  • حذف التسويفات التي ما نزال نسوفها ونحن نقرأ المقال.
  • جرّب الخروج في نزهة دون اصطحاب الهاتف، سترى اختلافا ملموسا جدا.
  • التفكر والتخطيط ووضع خطة لكل شيء، حتى لطهي الطعام.
  • اقرأ سورة تحبها من القرآن.
  • أشياء تود أن تفعلها ولم أذكرها.

جرّب على الأقل يا صديقي/صديقتي واحدة من تلك البنود، وسترى تغيرا لعله بسيط في حياتك، ولكنه حتما سيؤثر إيجابيا على صحتك النفسية، وأعدك أنه سيؤثر، وما علينا سوى السعي من أجل أي شيء.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان