شعار قسم مدونات

هل الصاحب ساحب فقط؟

الصديق
المرء على طبع صاحبه يتطبّع بطبعه فتصيبه العدوى فالناس تعلم أن الصاحب ليس ساحبا فقط ويعلمون أن جزاء اتباع الظالم النار (مواقع التواصل الاجتماعي)

 

إن الجهل هو أقوى سلاح يعتمد عليه الظالم، لذلك تجد أن الظالمين في أنحاء العالم يُهملون التعليم، وذلك ليس لسبب مجهول، بل هو جلي للعاقلين؛ خوف الطاغية الداخلي من معرفة الشعب أنه يستخف بهم، حتى يطول حكمه وتطول طاعتهم له..

في بريطانيا لا يأخذ منك عامل النظافة القمامة إلا إذا وزعتها حسب ما يتطلب التدوير، وإذا أخفقت في التقسيم يرفض العامل أخذ قمامتك من أمام المنزل.

 

(مواقع التواصل الاجتماعي)

لفت انتباهي صورة فيها ثمرتا كمثرى، إحداهما أصابها العفن فركنت إلى صاحبتها وبدأ يتسلل العفن منها إلى أختها، وبعث هذا المشهد في نفسي كثيرًا من المعاني التي يقشعرّ لها البدن، وتوسعتُ بنظرتي قليلًا وبدأت أتخيل البلاد العربية التي أصاب بعضها العفن فجعلت تركن إلى غيرها حتى يتسلل العفن منها إلى أختها، وهكذا حتى ما بقي منها شيء لم يصبه العفن، ولو تحدثت عن الفساد في كل دولة عربية تدّعي أن الإسلام هو دين دولتها لما كفى لذلك ألف ألف مقال أو كتاب، فالناس تعلم لكنهم لا يعملون.

 

 

من منّا لا يعرف قول الله تعالى: ﴿وَلا تَركَنوا إِلَى الَّذينَ ظَلَموا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ وَما لَكُم مِن دونِ اللَّهِ مِن أَولِياءَ ثُمَّ لا تُنصَرونَ﴾ [هود:113].
ومن منّا لم يسمع أو يقرأ حديث: (المَرْءُ على دِينِ خَليلِه، فَلْينظُرْ أحَدُكم مَن يُخالِلْ)، ومن منا لا يعرف المثل الشعبي المشهور:

الصاحب ساحب

فالقرأن والسنة والعرف والأمثال الشعبية والدنيا كلها تنطق بأن المرء على طبع صاحبه، يتطبّع بطبعه فتصيبه العدوى، فالناس تعلم أن الصاحب ليس ساحبا فقط، ويعلمون أن جزاء اتباع الظالم النار، ويعلمون أن العقاب شديد والمذلة فاضحة، والقيامة آتية، والحساب لا مفرّ منه لكنهم لا يعملون؛ لأن الجهل تملّكهم، وتحكّم في جوارحهم، فاكتفوا به عن العمل، ولا تزال كلمات عبد الرحمن الأبنودي تتردد في ذهني حين وصف ذلك ببلاغة غريبة فقال:

"ربنا رزقه بجهل غانيه عن كل العلم"

وقد قرأت مقالًا في تلك الأبيات للراحل أحمد خالد توفيق تحدث فيه عن تأثير (دونيغ-كروجر) -هما عالمان حاصلان على جائزة نوبل- ويوضح هذا التأثير بأنه ينبع عن خلل في المخ، وهذا الخلل يجعله عاجزا عن إدراك خلل وجود خلل.

وهنا أمر مشابه نوعًا ما؛ جهلك يمنعك عن إدراك جهلك، ويجعلك عاجزًا عن رؤية ما تعلمه أصلًا.

لنعد إذن إلى الحديث عن النظافة في بريطانيا، ولا أقصد بحديثي عنهم أن يظن البعض أن كلامي هذا يحمل معنى من معاني الانبهار أو حتى يقول البعض بلهجة مصرية معتادة " شعب متقدم"، أو يسخر آخرون فيقولون "زي عندنا في مصر بالضبط".. لا أريد منك أن تظن هذا كله، بل أريدك أن تتعلم، وتعمل. فتعلم أنك إن أردت أن ترى بلادك بمستوى يرتقي إلى ديننا الإسلامي الحنيف، فعليك أن تعمل على محو الجهل، لتدرك أنك لا تستطيع أن تطالب الناس أو تلزمهم بشيء إلا إذا أعطيت الشعب حقه كاملًا، فإذا أعطيته تعليمًا سيعطيك علماء، وإذا أعطيته علماء سيعطيك ثقافة، فتحصد شعبًا لا يرضى بالظلم، وسيقوم بتقسيم القمامة على حسب التدوير، لكن يزيّن هذا كله أخلاق ديننا الإسلامي الذي يجعلنا نترأس العالم، فيتعلم منّا كما فعل في السابق، أما أن نترك العفن يتسلل إلى الأجيال القادمة، فذاك ما لا يحمد عقباه أبدًا، لنبدأ بأنفسنا أولًا، فإذا أردنا حقًا أن نتغلب على غيرنا علينا أن نستجيب لقول الله:

﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ﴾ [الأنفال:60]

فهل أعددنا حقًا تلك القوة؟! هل أعددنا أنفسنا أولًا؟! 

بل على العكس أهملنا الإعداد وأهملنا النهي عن المنكر حتى خرج أهل المنكر ينهون عن المعروف، فنرى المهرجانات السينمائية والمؤتمرات الدولية والأنفاق الأرضية والطائرات الجوية أهم عندهم من إنفاق تلك الأموال على البحث العلمي وتطوير العلم، فجهل الشعوب مصدر رزقهم، وانحطاط الأخلاق يوفر بيئة جيدة لنشر العري، وانتقاد النصوص الدينية، وتحريف التاريخ..

ومع الأسف، الشعوب العربية كما أثبت الواقع تُخدع بسهولة، ‏وتنحرف بسرعة، ومحاولات العلماء على مرّ 100 عام السابقة لإعادة الناس إلى جادّة الصواب غرقت كلها في بحر الفشل، وهذا المقال قد يكون أحدها، فلست أرجو منه تغيير شعب بقدر ما أريده أن يغيرني أنا شخصيًّا.

وأختم حديثي بقوله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيلِ إِنَّ الحَسَناتِ يُذهِبنَ السَّيِّئَاتِ  ذلِكَ ذِكرى لِلذّاكِرينَ﴾ [هود:114]

فما زالت الفرصة سانحة للتغير، وما زالت الحياة فيها وقت يكفي لتُذهب سيئاتك بحسناتك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.