منذ مدة ليست بالبعيدة مررت بإحدى الشركات الخاصة بالمولدات الكهربائية أو ما يدعى بالاشتراكات ولا أدري إن صح التعبير؛ وهي من الشركات الخاصة المعروفة على نطاق مدينة صيدا وضواحيها، بل لربما باتت معروفة اليوم على نطاق لبنان برمته، وتعمل في مجالات تجارية متعددة، ولا سيما في مجال الاشتراكات الكهربائية المذكور آنفا؛ فلا يخفى على أحد أن شبح الظلام ما زال يطارد اللبنانيين منذ أكثر من 30 سنة، وذلك بسبب أزمة الكهرباء المنقطعة النظير، التي مع الأسف لم يُعرف لها أي حلول بعد حتى الآن.
دخلت إلى تلك الشركة، فوجئت بإحدى العاملات فيها وتبدو عليها علامات الجهل والغرور، سألت تلك العاملة عن كيفية تركيب اشتراك للكهرباء بنظام العداد لبيتي الجديد، فإذا بي أجد أكثر من جواب؛ مرة تقول لي: لا يمكن، ومرة أخرى تقول لي: يمكن ولكن يجب أن تدفع مبلغًا ماليًّا قدره 100 دولار أميركي نقدًا أو ما يوازيها بالليرة اللبنانية حسب السوق السوداء! توقفت لحظات.. ثم سألت أحد الشباب العاملين هناك عن صحة ما قد ذكرته تلك العاملة المغرورة، قال لي الشاب الذي بدت عليه علامات الارتباك والحذر:
هذا القرار صادر عن وزارة الاقتصاد!
قلت له حينئذ "أرني هذا القرار؟ أولست تقول إنه قرار صادر من قبل وزارة الاقتصاد! أم إن وزير الاقتصاد يعطي قراراته لأشخاص معينين وبشكل سري للغاية فقط! وهذا بالطبع لا يمكن حدوثه البتة ولا يمكن أن يصدقه عقل أبدا! فكان الجواب هو التلعثم والارتباك والسكوت وعدم القدرة على الرد بل عدم القدرة على الكلام من أصله!
كيف لا؟ والاشتراك بنظام العداد هذا -كما هو معروف- من شأنه أن يقف مثل السد المنيع في وجه كل أولئك الطامعين من أصحاب تلك الشركات ومن هم على شاكلتهم، معلنًا بذلك نهاية حقبة سوداء قاتمة من الظلم والفساد والرذيلة.
في الواقع وبكل أسف لم يكن الرد بهذه الطريقة ردًّا مستغربًا أو مستهجنًا البتة، بل هو رد مألوف ولا سيما من قبل أُناس بات همهم الأكبر وشغلهم الشاغل جمع المال وبأي طريقة كانت؛ نعم.. عند أناس بات عندهم الحلال والحرام سواء! فهم لا يُبالون، فالمهم عندهم هو المال ثم المال فقط ليس إلا.
أين أولئك المسؤولون من كل هذا الظلم؟ أين هم من كل هذا الانحلال والفساد؟ إلى متى سيبقى المواطن في هذا البلد رهينة هؤلاء وأمثالهم؟ إلى متى ستبقى فوضى الاشتراكات والمولدات عارمة إلى هذا الحد؟
هل عجز هؤلاء المسؤولون وصناع القرار عن صياغة بعض القرارات التي من شأنها أن تحفظ لكل ذي حق حقه؟ لماذا لا يُفرض نظام العدادات، مع الالتزام بالتسعيرات الخاصة بالبلديات، بحيث تصبح للمواطن الحرية الكاملة في الاختيار، من دون أن يكون هناك أي نوع من أنواع الظلم لأي أحد أبدا. لا لأصحاب هذه المولدات، ولا للمشتركين فيها!
وفي الختام.. أرجو ألا يكون ما نعيشه اليوم من هذه الفوضى العارمة، وذاك التخبط اللامحدود نتيجة لغنائم قد وُزّعت فقط ليس إلا، أو بعبارة أخرى "رفعت الأقلام وجفّت الصحف".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.