شعار قسم مدونات

قصتي مع الحلاق

لا أتصوّر حياتي من دون الحلاق، هو من يحسّن ديباجة الوجه، ويخفّف عن الرأس وطأة الآلام، ويرقق فى الحديث (الأناضول)

شاء القدر أن أنأى عن وطني مدة غير طويلة، وللغربة تبعاتها، تخالف فيها المألوف، وتوطن نفسك على تحمل المكاره، وتأخذ بالحيطة والحذر في كل شيء، وتتلمس من يمد لك إكليل المحبة، ويحادثك بأطايب الموضوعات. ولكن كان أمري عجيبًا وما كنت أبحث عنه كان أعجب، كنت أبحث عن حلاق يشذب لحيتي، ويرتب شعري، ويدلك رأسي، وينتف الشعيرات التي تنبت على الوجه.

لم تعد الحلاقة اليوم مهنة عادية بل أصبحت صناعة زاهرة أصلت أصولها وقعدت قواعدها، وصارت حوانيت الحلاقين ملاذاً آمنًا للسادرين في هموم الدهر، وهي مؤثثة بأحسن الأثاث، ومزودة بأجود المكيفات، ومزينة بألمع المصابيح.

لا أتصور حياتي من دون الحلاق، هو من يحسن ديباجة الوجه، ويخفف عن الرأس وطأة الآلام، ويرقق في الحديث.

يحذق الحلاق المجاملة، كلما ذهبت إليه يُشعرك أنك أجمل شخص في هذا العالم، وهذا من ديدنه بل حيلته التجارية وإن كنت أقبح من الجاحظ.

يمتاز بسعة الثقافة وإن لم يكن حائزاً على الدكتوراه من جامعة عريقة، يورد الأمثال والطرائف، يعلق على الوقائع السياسية، يحكيك نوادر التاريخ، يعرف طبائع الناس، يفسح لك مجال الحديث، فتبوح إليه ذوات نفسك بما قد لا تبوح به إلى أعز عزيز لك.

قد اجترح الحلاقون طرائق قددا للتصفيف، شاهدت حلاقا باكستانياً يشعل النار على رؤوس زبائنه، ويرش عليها الماء، ويجري حركات يدوية خفيفة، فيستقيم الشعر وإن كان جعداً.

وهناك حلاق غزاوي اختزن "تاريخ منهج الحلاقة في فلسطين" في كتاب، قد جمع بين الحلاقة والتأليف، وهذا يحدث نادرا.

كان لأبي الله يرحمه حلاق هندوسي طاعن في السن، مرتجف اليدين، يابس الأطراف، كان يؤذن ويحفظ بعض الأدعية المأثورة.

أحيانًا يطاردني سؤال: ماذا يكون لو أضرب الحلاقون في العالم كله عن عملهم 3 شهور؟

نحن ننتظر منك الجواب، أيها القارئ العزيز!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.