نشأت العملات الرقمية (المشفرة) في الأصل لتكون بديلاً للعملات الورقية ولتقدم حلولاً في عالم التمويل ويمكن أن نعتبرها النقلة النوعية الجديدة في عالم المال. ففي عالم العملات الرقمية لا يوجد الوسيط المعتاد في عمليات التحويل داخل المنظومة التقليدية (مصرف أو شركة تحويل أموال) كما أنه يحقق خصوصية كاملة. وبالرغم من المقاومة العنيفة التي فرضها النظام المصرفي العالمي على منظومة العملات الرقمية منذ أن فتحت "بيتكوين" هذا الطريق منذ 12 عام إلا أنه لن يجد بُدّاً من الاعتراف به في النهاية فقد أعلنت الصين منذ شهور عن إطلاق "الين الرقمي" قبل أن تعلن عدة دول عن شروعها في خطوات مماثلة كما أعلنت الولايات المتحدة عن سماحها للبنوك بتعامل مشروط مع العملات الرقمية قبل أن تعلن ثلاثة بنوك كبيرة عزمها على امتلاك أصول رقمية. ورغم أن فلسفة العملات الرقمية قامت على أنها غير مدعومة بأصول فإن ما يدعم هذا القطاع الجديد هو "الأمر الواقع" بالإضافة إلى خطة النمو المرتبطة بكل عملة.
وبالرغم من فرضية أن تكون هذه العملات بديلاً حقيقياً للعملات الورقية إلا أن الغالبية العظمى مما تم إنتاجه حتى الآن (أكثر من 3500 عملة رقمية) لا تُستخدم بمعنى أنه لا يتم مبادلتها بسلعة أو خدمة لأنها نشأت إما من أجل المضاربة والتجارة لتحقيق أرباح كبيرة خلال فترة زمنية قصيرة أو كوسيلة آمنة لتحويل الأموال. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن كثيراً من أموال التجارة المحرمة قد تم تحويلها باستخدام هذه الآلية وذلك من خلال عملات رقمية يتم تداولها دون التحقق من شخصية أصحابها.
وعلى ذلك فيمكن تقسيم هذا القطاع المالي الجديد إلى جزئين:
– الجزء الأكبر يخضع للنموذج التقليدي للمضاربة القائم على فكرة (إشترِ بسعر منخفض وبِع بسعر مرتفع وكن حذراً في اختيار توقيتي البيع والشراء) وتكون قيمة كل عملة مرتبطة بسعرها على منصات التداول. وهذا النموذج جاذب لاستثمارات قصيرة ومتوسطة المدى بشرط الدراية بكيفية عمله واختيار العملة المناسبة في الوقت المناسب.
بيتكوين مثالاً لنموذج المضاربة
وإذا أخذنا بيتكوين Bitcoin مثالاً لهذا النموذج فبالرغم من أن قيمته كانت أقل من 1 سنت أواخر 2009 إلا أنها تجاوزت 20 ألف دولار قبيل نهاية 2017 ثم انخفضت بشدة خلال عام واحد إلى ما دون 3 آلاف دولار قبل أن تعاود الارتفاع إلى أن بلغت حدوداً قياسية أواخر 2020 ويتم تنفيذ المعاملات بها بأسماء مستعارة.
– الجزء الباقي وهو صغير جداً يخضع لنموذج الاستخدام القائم على فكرة (تقديم بديل حقيقي بحلول متطورة في عالم المال) وتكون قيمتها تبعاً لعوامل مختلفة. وهذا النموذج جاذب لاستثمارات متوسطة وطويلة المدى للمؤمنين بالنقلة النوعية الجديدة.
داجكوين مثالاً لنموذج الاستخدام
وإذا أخذنا داجكوين Dagcoin مثالاً للنموذج الأخير فإن تقدير سعرها يخضع لعاملَين اثنين هما عدد المستخدمين وعدد المتاجر التي تقبلها حول العالم وهو ما يجعل فلسفة عملية التقدير منطقية حيث تزداد نظرياً القيمة مع زيادة المستخدمين وكذلك زيادة الخدمات التي يستطيع المستخدمون الاستفادة بالعملة من خلالها. ومن الجدير بالذكر أن هذه "المتاجر" تشمل محلات مجوهرات وخدمات طبية وخدمات سياحية بالإضافة إلى المتاجر التي يتم التعامل معها باستمرار كمحلات البقالة والمطاعم والكافيتيريات. تتميز ببناء بيئة حاضنة Ecosystem قوية ومتماسكة تقدم حلولاً فعالة للمستخدمين كما تتميز بسرعة التحويل (عدة ثواني) وبغير تكاليف تقريباً. كما تتميز بأنها تتبع بصرامة قانون KYC (التعريف بالعميل) وذلك للمساعدة في تقليل المعاملات غير القانونية في عالم المال.
لعل أهم أدوات الاستفهام التي تفرض نفسها عند تقييم تجربة الاستثمار في نموذج المضاربة هي "متى؟" حيث يكون التوقيت (شراءً وبيعاً) هو العامل الحاسم في تحديد ناتج الاستثمار (ربحاً أو خسارة ونسبة أيهما) في حين تكون "كيف؟" من أهم أدوات الاستفهام في النموذج الآخر حيث تعتمد النتائج على استخدام العملة بالشكل الأمثل مع الاستفادة بزيادة قيمتها بمرور الوقت.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.