شعار قسم مدونات

6 أسباب قادت حركة النهضة نحو النجاح

صورة نشرها موقع حركة النهضة لاجتماع مجلس شورى الحركة الذي اختار اليوم مرشحا لرئاسة الحكومة

نجحت حركة النهضة التونسية في إنتاج خطاب إعلامي وسياسي راق وواع، أسهم بشكل كبير في إبقاء شعلة الثورة متأججة في تونس، وحافظ على المسار الديمقراطي مفتوحًا أمام طموحات الشعب التونسي، على الرغم من التحديات المحليَّة والإقليميَّة، بالإضافة إلى المردود الإيجابي لهذا الخطاب على الصعيد السياسي الداخلي، والذي تمثل في نيل الحركة ثقة الناخب التونسي في معظم الاستحقاقات الانتخابيَّة.

فكيف نجحت حركة النهضة في إنضاج هذا الخطاب السياسي الحاشد؟

وللغوص في هذه المسألة لا بدَّ من النظر إلى خطاب حركة النهضة السياسي على أنَّه ثمرة خرجت من رحم الإطار الفكري للنهضة، وبمعرفة أسباب انفتاح هذا الإطار الفكري للنهضة نكون قد وصلنا لمعرفة أسباب نجاح الحركة في إنتاج خطاب سياسي ناجح، فالاثنان وجهان لعملة واحدة.

ويمكننا تقسيم أسباب النجاح إلى قسمين:

أولًا: أسباب داخلية تخصُّ الحركة
1- العقل المركَّب لدى المؤسسين
انطلقت حركة النهضة على يد الشيخ راشد الغنوشي والأستاذ عبد الفتاح مورو، فالأول درس في جامع الزيتونة، وأتم دراسة الفلسفة في دمشق، ودرس في جامعة السوربون بفرنسا، وله إسهامات فكرية وفلسفية حول العلمانية، وقضايا الحريات والكرامة الإنسانية والمواطنة وغيرها من قضايا العصر، وكانت له تجربة مع التيار القومي العربي. والمؤسس الثاني ( مورو) المحامي ابن الطبقة الأرستقراطية التونسية المنفتحة بطبيعتها على الثقافة العالمية. وقد تأثرت بهما الحركة كثيرًا في سعة صدرها لمناقشة العديد من القضايا التي ربما تبدو مسلماتٍ وثوابتَ لا تقبل النقاش عند العديد من الحركات الإسلامية الأخرى في المشرق العربي.

قياديون من حركة النهضة التونسية عرضوا وثيقة تعاقد تكون أساسا لتشكيل الحكومة المقبلة مصر الصورة: الصفحة الرسمية لحركة النهضة على موقع فيسبوك

2- انفتاح الحركة على المدارس الفكرية الأخرى، فعلى الرغم من أن حركة النهضة بنت مدرسة الإخوان المسلمين الفكرية، إلا أنَّها انفتحت مبكرًا على أفكار مدارس أخرى مثل مدرسة مالك بن نبي المفكر الجزائري؛ إذ يعتبر البعض أنَّ حركة النهضة هي التجلِّي الميداني لأفكار مالك بن نبي. كما انفتحت الحركة أيضًا على مدرسة الثورة الإيرانيَّة، وكتابات الفيلسوف الإيراني على شريعتي، بالإضافة إلى استفادة الحركة الواضحة من الفلسفة الغربية فيما يتعلق بقضايا المواطنة وحقوق الإنسان.

 

3- حسم الحركة المبكر للعديد من القضايا الفكرية وتكوين إطار معرفي متماسك فيها، مثل قضايا المرأة ومشاركتها السياسية، والفنون والإبداع، والحريات. فقد شكلت الحركة منذ السبعينيات فرقًا مسرحية وموسيقية تشارك فيها النساء مع الرجال، وانعكس ذلك أيضًا في تشكيل القوائم الانتخابية لحزب النهضة، حيث شكلت النساء قرابة نصف عدد مرشحي النهضة للمجلس التأسيسي.

 

ثانيًا: أسباب خارجية تتعلق بالمكان الذى نشأت فيه النهضة
1-  وجود مدرسة يسارية تونسية في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم لها حضور شعبي وميداني وقادرة على تحريك الشارع، فرض على النهضة القتال في الجبهات الأمامية، وجعلها تخترق حقول الألغام المعرفية عبر الاشتباك مع الأفكار الفلسفية الحاكمة للمدرسة اليسارية، فدراسة علاقة الإسلام بنظرية الطبقات الاجتماعية والصراع الاجتماعي، وحقوق العمال والفلاحين، وعلاقة الدين بالاستبداد، وعلاقة الدين بالسياسية، ونظرة الإسلام لحقوق المرأة، ونظرته للهيمنة الاستعمارية، كل هذه القضايا جعلت لدى كوادر النهضة عضلات فكرية مفتولة، واطلاعًا معرفيًّا عميقًا، وانفتاحًا مبكرًا على القضايا التي تتعلق بشكل الدولة وفلسفة الحكم وحقوق المواطنة.

اتجاه القيادة السياسية التونسية بعد التحرر من المستعمر الفرنسي نحو فرض النظام العلماني المتوحش على الشعب التونسي، والذي ضيَّق على المجتمع حريته السياسية والدينية وحاول السيطرة على خياراته الاجتماعية

2- انفتاح المجتمع التونسي على البر الأوربي هجرةً وعملًا ولغةً كان له بالغ الأثر في رفع مستوي الوعي الشعبي التونسي بقضايا مثل حقوق الإنسان والرعاية الاجتماعية وحقوق المرأة. فكل من سافر من التوانسة إلي إيطاليا أو فرنسا أو إسبانيا – يُقدر عدد التونسيين فى فرنسا بـ600 ألف تونسي – لمس بدرجة من الدرجات فضاء الحرية والعدالة والمساواة في هذه الدول، وتمني أن يأتي عليه زمن يتمتع فيه بهذه الحقوق في وطنه الأم تونس، وهذا فرض على الحركات التونسية المعارضة تحديات حقيقة تتعلق بمعاش الناس وأمنهم وحريتهم، وهذا انعكس على حركة النهضة بحكم قربها من نبض الشارع التونسي.

 

3-  اتجاه القيادة السياسية التونسية بعد التحرر من المستعمر الفرنسي نحو فرض النظام العلماني المتوحش على الشعب التونسي، والذي ضيَّق على المجتمع حريته السياسية والدينية وحاول السيطرة على خياراته الاجتماعية، واصطدم بهوية المجتمع العربية والإسلامية، فكان لذلك الاتجاه الأثر البالغ في تأييد الشعب لحركة النهضة التي تستند في تعريفها للمجتمع التونسي على أنه مجتمع مسلم ولغته هي اللغة العربية، بمعنى آخر حصل تقاطع بين طموحات الشعب وآمال الحركة.

ومن خلال ما تقدم نري مدى وعي حركة النهضة التونسية باللحظة التاريخية، وركوبها متن التاريخ، وإدراكها للعالم من حولها، ولذاتها الفاعلة، واستفادتها من الفرص الداخلية والخارجية في بناء إطار معرفي منفتح ومعاصر يستجيب لتحديات الواقع مع الحفاظ على هوية المجتمع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.