شعار قسم مدونات

ماذا يعني التطبيع الاماراتي الاسرائيلي؟

Protest in Gaza against UAE and Bahrain's normalization deal with Israel

على عكس ما يعتقده الكثير في بعض الدول الخليجية وخاصة الحكومة الاماراتية إن توقيع اتفاق على التطبيع بشكل رسمي مع "إسرائيل" هو توقيع على انهزام سياسي تاريخي وبداية انهيار للإمارات، قبول التطبيع وإخراجه من السر إلى العلانية هو نكسة جديدة وقبول للهيمنة الصهيواميركية المتمثلة "بإسرائيل" التي ليست إلا ولاية أمريكية بنكهة "يهودية" إن إخراج الصورة السياسية لهذا التطبيع هو بمثابة قبول الاستباحة لدماء العرب والمسلمين ونكسة حقيقية للامة الاسلامية وإعلان انقسامها السياسي والعبث بثقلها. وسيكون لهذا تبعات كثيرة تتمثل في ضرب هذه الدول من الداخل واشعال نار حروب أهلية داخلية وثورات ديموقراطية أو غيرها من التسميات ذات النتيجة الواحدة.

 

وهذا ما اسميه سياسة الديك الصغير التي يتبعها التلموديون في ضرب أعدائهم والتي تقوم بزرع الفتنة بين الديوك الكبيرة التي تتقاتل وحدها بينما يشاهد الديك الصغير نهاية كل منهما. وإحدى تكتيكات الديك الصغير والتي لا تكلفها سوى شراء الوقت للاستمتاع باحتضار أعدائها هي تكتيك حصان طروادة المعروف. انفجار بيروت المريع والكارثي والتاريخي ما هو إلا حصان طروادة الذي انفجر بمن عليه. ومن قبل في الثورة السورية، كان ما يعرف بالدولة الإسلامية حصان طروادة أيضا. واستغلال الكرد في شمال سوريا اليوم من قبل أمريكا والأمازيغ في الجزائر ما هو إلا حصان طروادة نائم سيقوم بإيقاظه الديك الصغير في الوقت المناسب له، عندما سيشعر بالخوف أو الجوع.

كيف وصلت الإمارات إلى هذا الاتفاق؟

علينا الرجوع إلى ما يسمى بصفقة القرن والذي اعتقد امراء الإمارات خلال اتصال ولي أبو ظبي الاخير هاتفيا بنتنياهو والتي اسفرت عن تراجع إسرائيل عن ضم الضفة الغربية، أن ذلك بم ابة انتصار للقضية الفلسطينية. الحقيقة أن صفقة القرن لم تكن سوى فخ وقعت فيه الدول العربية التي أقدمت والتي توشك على الموافقة ببساطة على عملية التطبيع. صفقة القرن كانت عبارة عن طعم إعلامي برداء ديموقراطي، ولكن بفكر رعاة بقر جدد يلبسون ثياباً رسمية مع ربطات عنق أنيقة من اللون الأزرق والأحمر وابتسامات توزع هنا وهناك، بالنسبة لـ"إسرائيل" فإنها تقوم بعمل تسويقي لاسمها من خلال الإعلام لقبولها إعلاميا ومن ثم ايديولوجياً.

والذي مهد لفرض هذا الافتراس العفوي للعقل العربي لدى دعاة التطبيع هو أمرين باعتقادي. أولاً عدم التفريق بين التسامح والتهاون. باسم الحرية أصبح التنازل عن الحقوق أمراً هيناً، فإن لم يكن هيناً طوعه العسس وروضته القبضة البوليسية أو ألقته في غيابة الجب وربما أعدمته أو قتلته تحت فنون التعذيب المباشر أو غير المباشر. وقد حدث هذا في مصر عنما قتل الرئيس المصري محمد مرسي ويحدث الآن في أقبية السجون الخليجية ومن فيها من علماء ومفكرين ومثقفين وناشطين وغيرهم، الأمر الثاني هو تغليب الفكر القومي الإماراتي الناجح مدنياً وديموقراطياً كنموذج خليجي ناجح مع الزخ الاعلامي للثراء الفاحش في الامارات واستقطابها للعالم وهذا عبارة عن تكتيك نظري يراد منه ضرب الأيدولوجية الدينية، ضرب الإسلام بعضه ببعض، وإحلال الأيديولوجية المدنية، ومن جانب آخر خنق الصورة الإسلامية النمطية السائدة واستبدالها بصورة حداثية ومدنية ديموقراطية تقوم على التعددية باسم حرية الاديان.

 

لقد فرطت الإمارات بفرصة العمر للهيمنة في المنطقة العربية من خلال مد يدها للتحالف مع دول الخليج والدول الإسلامية الكبرى لخلق قوة اقتصادية وربما عسكرية كبيرة ذات تكنولوجية متطورة تنافس العالم وبذلك كان سيكون لها حجماً مخيفا في المنطقة وانعكاس كبيرة وفعال في العالم لكنها آثرت الرضوخ للقرارات الأمريكية باسم التسامح وقامت بالتحالف على نفسها والانشقاق عن القوة الخليجية. وهذا ما يفسر التحول الغريب والمفاجئ في تكوينها الأيديولوجي الاجتماعي وتغير سياساتها لدرجة أنها استدرجت المملكة السعودية إلى بداية الانهيار والشتات السياسي. هذا يعلل أضا الانقسامات الحالية في ربوع الخليج العربي بين معرض ومؤيد للتطبيع.

 

التطبيع الإماراتي الإسرائيلي هو تجربة ناجحة لرعاة البقر لكنها مريرة وهي وصمة عار وكارثة وجريمة أخلاقية كبرى يحاسب عليها الواعز الديني والضمير العربي والإسلامي المؤيد للقضية الفلسطينية، إذ كيف تقبل التطبيع ببساطة مع قاتل وقد علم كل الناس ذلك، حتى أن القاتل يعلم أنه قاتل!

 

لا يزال هناك أمل لحفظ ماء الوجه. ينبغي على حكومات الخليج أن تتصالح مع نفسها ومع شعوبها بشكل شوري، علينا بقراءة التاريخ لتوظيفه في بناء المستقبل وعدم التنازل عن حقوق السيادة السياسية، والأهم من كل ذلك على دول الخليج أن تتحد بشكل جذري وحقيقي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.