في ظل هذه الظروف الاستثنائية التي سيطر فيها فيروس كورونا على الحياة اليومية قامت الدول باتخاذ العديد من التدابير الاحترازية وماليزيا في مقدمتها، للمحافظة على استمرار العملية التعليمية وإن عن بعد، فاستنفرت الجهات المعنية جميع الجهود لتسهيل أداء المدارس والجامعات وتقديم الدعم التدريبي والتكنولوجي اللازم لها، ولكن السؤال الذي ما برح يؤرق المعلمين ويشغل الطلاب وأولياء أمورهم، هو آلية تقييم وتقويم تعلم الطلبة، هل سيتم التعامل معهم بالطريقة التقليدية أم أن هناك طرق تقويم في التعلم عن بعد، وقد أجاب الخبراء التربويون هذا السؤال الذي شغل الناس لاسيما مصداقية آليات التقويم أكثر من وجودها فالآليات موجودة لكن ما مدى مصداقيتها حيث بين الخبراء آليات التقويم عن بعد وآلية توفير المصداقية لهذه الآليات التي سنعرج عليها قليلا .
لماذا التقويم ..
إن تطوير العملية التعليمية، مرهون بإحداث تغيرات جوهرية في طريقة فهم المجتمع التعليمي للتقويم، إلى الحد الذي يسمح بالقول أن تطوير المحتوى الأكاديمي قائم على عملية التقويم وأن جدوى الأول من جدوى الثاني والعكس، وأساليب التعلم والتعليم ينطبق عليها الشأن ذاته فيصبح من غير المجدي نسج الآمال العريضة وتعليقها على التوجهات المعاصرة في تطوير المناهج فقط، فهي لا يمكن أن تؤتى ثمارها بدون رؤية تتخطى حدود النظر إلى التقويم على أنه مجرد اختبار يقدمه المعلم للتلاميذ يتحدد في ضوء نتائجه ما إذا كان التلميذ يستحق النجاح أم لا، فعملية التقويم من العمليات المهمة والقديمة قدم الإنسان، فقد استخدم الإنسان القديم طرقا بدائية في التقويم، حيث استخدمت الصين نظام الامتحانات قبل ثالثة آلاف عام كأساس للقبول والترقية في الخدمة المدنية، كما استخدمه الإغريق للسيطرة على المهارات البدنية بالإضافة إلى العرب الذين استخدموه في الأسواق والندوات لتقويم نتاجاتهم الفكرية ) الجلبي، ٢٠٠٥
التقويم عن بعد
"وهو تقييم للأنشطة المختلفة المعرفية والمهارية باستخدام تقنيات الحاسوب وشبكة الإنترنت. والتقييم الإلكتروني يتمثل في عملية أتمتة لعملية التقويم الورقي والمعمول به في عملية التقييم بشكل أساسي، إذ إن التقييم الإلكتروني يتبع في الشكل الفلسفي التقييم الورقي من ناحية النظريات العلمية"، ومع انتشار التعلم الإلكتروني وتطبيق التعلم في بيئات رقمية في الميادين التعليمية من مدارس وجامعات بدأت عملية التقييم بالتحول من استخدام الورقة والقلم إلى التقييم اللاورقي، والذي يستخدم على نطاق واسع في المراكز التعليمية المفتوحة والتعليم عن بعد في المدارس والجامعات، وبما أن التقويم في التعليم عن بعد يعد عنصرا مهما من عناصر منظومة التعليم يتفاعل مع باقي عناصرها وعاملا مؤثرا فيها، حيث هو المدخل الفعال لتطوير التعليم عن بعد والارتفاع بجودته وكفايته، وهو الأساس الذي تعتمد عليه القرارات التربوية الصائبة، لذا لا بد من التعرض لأهميته ومرتكزاته ومعاييره، ويختلف توزيع الدرجات في التقييم عن بعد عن التقييم التقليدي حيث في مرحلة الدراسة الابتدائية تكون حصة الاختبار النصفي بل الوحيد (٢٠٪) فقط بينما تكون الواجبات العملية حصتها(٨٠٪)من درجات المادة المدروسة أما بالنسبة للمرحلة الثانوية من التعليم الأكاديمي فتقسم درجات الطالب على النحو الآتي: تكون حصة الاختبار (١٠%) من درجات المادة المدروسة فيما تكون حصة الواجبات العملية (٦٠ %) من الدرجة ويكون الاختبار النهائي للمادة عبارة عن مشروع وترصد له (٣٠ %) من الدرجة، وهذا التقسيم هو عبارة عن اجتهاد شخصي يجمع عليه الكثير ويعتمده مجلس التعليمي الالكتروني في الجامعات الماليزية.
كيف يكون التقويم عن بعد صادقا ..
لتفعيل جزئية التقويم وزيادة مصداقيتها وهي التي تعتبر من أهم جزئيات العملية التعليمية والتي تنبني عليها خطوات لاحقة من تطوير وتحديث للمناهج والمحتويات الأكاديمية لابد من الابداع لدى المعلمين في عملية التقويم فجرد وجود الأدوات غير كاف، ومن الأمثلة على الابداع في تقويم الطلبة استخدام برنامج كاهوت (Kahoot) المعروف وهو أحد المنصات الإلكترونية التي تستخدم لعرض الأسئلة المباشر والمتزامن للطلاب على جهاز العرض، كما يمكن للطالب استخدام الهاتف الذكي أو الكمبيوتر للإجابة عن الأسئلة، والتفاعل أثناء الحصة الدراسية، حيث يستجيب الجميع في نفس الوقت. هذا يعني أيضا أنه يمكننا تقديم تعليقات إلى الجميع في نفس الوقت، ولعل البعض يساوره القلق من مدى قدرة التقييم عن بعد على اظهار المستوى الحقيقي للطالب تذرعا بسهولة الغش في مثل هذه الاختبارات ذلك المعلم لا يرى الطلاب ولا يحيط ببيئة الاختبار مما يساعد الطلبة على الاستعانة بمن حولهم في حل الاختبارات كلها أو جلها أو بعضها، وهنا لابد من لفت النظر أنه ليس من الحصافة الاعتماد على صدق الطالب أو التعويل على أمانته ليس تشكيكا بهما ،ولكن لأنها أمور متفاوتة لدى الطلبة وتنفي تساوي ظروف الاختبار لدى الطلبة، ولعل التصرف الاسلم لزيادة مصداقية التقويم يستند على دعامتين إحداهما محتوى التقويم والثانية طريقة تقديم التقويم.
دعامات التقويم عن بعد الفعال..
بالنسبة للمحتوى على المعلم أو المقيم أن يبتعد عن الاسئلة المباشرة أو الاختبارات ذات الإجابات الواحدة المجمع عليها لدى الطلبة فيستخدم مثلا اختيارات الكتب المفتوحة تلك التي تقيس المهارات الفكرية العليا على نموذج بلوم للاختبارات مثل التحليل والتصميم، كما يمكن للمعلم استخدام أسئلة الفهم التي لها إجابة محددة وطرق مختلفة للإجابة مع البعد عن أسئلة رأي الطالب لأن سؤال الرأي أي اجابة له صحيحة ،اضافة الى التقييم القائم على المشاريع مثل أن يعمل الطالب بوستر عما تعلمه أو مقطع فيديو قصير أو ما شابه ذلك وعن آلية عرض التقييم، على المقيم أو المعلم أن يجعل التقييم مباشر بالصوت والصورة باستخدام الكاميرات الأمامية والخلفية التي تظهر الطالب بوضعية ٣٦٠ درجة كما استخدمت هذه الاستراتيجية بعض المدارس الدولية في ماليزيا مثل مدرسة سبكترو ولتقليص التكلفة على الطلبة ربما يستخدم المرايا المحدبة والتي تقدم الغرض نفسه بالتعاون مع الكاميرا الأمامية كما فعلت المدرسة العربية الدولية الحديثة في بتراجايا بماليزيا، إضافة الى الأسئلة المؤقتة أي ذات التوقيت القصير حيث أن الوقت لا يسمح للطالب بأكثر من استدعاء المعلومة من ذاكرته فقط، كما قد يقدم الطلبة عروضا تقديمية يشترط فيها تقديم شيء مختلف عن الآخرين ما يتطلب التغير المباشر في حال التشابه مع الآخرين .
أساليب مقترحة للتقويم عن بعد ..
يعرض الغريب زاهر إسماعيل (2009) بعض الأساليب التي تستخدم في تقويم برامج التعلم عن بعد، وهي: الاستبيانات والدراسات المسحية وفيها يطلب مـــــن الطلاب الإجابة على الأمر المدروس، والمقابلات الشخصية (صوت وصورة) ومنها نستطيع الحكم على مستوى الطالب في ضوء إجاباته، أما الاختبارات التحصيلية الإلكترونية فهي تهتم بأداء الطالب بوصفه سلوكا ناتجا عن كسب معرفي أو مهاري حققه بعد فترة تعلم ،ويرى حمدي أحمد عبد العزيز (2008) أنه يمكن التقويم عن بعد من خلال الامتحانات القصيرة فهي تقيس قدرة المتعلم على استدعاء وفهم المعارف بسرعة ،و بالنسبة للامتحانات المقالية فهي تقيس مستوى عال من القدرات المعرفية وخاصة ما يتعلق منها بالتفكير الناقد والتفكير الإبداعي واتخاذ القرارات والأسلوب العلمي لحل المشكلات، وكذلك ملفات الإنجاز أو بالحقائب الإلكترونية، وهي تجميع منظم لأفضل الأعمال المميزة للطالب من دروس ومحاضرات ومشاريع وتمارين هادفة ذات الارتباط المباشر بموضوعات المحتوى والتي يتم تكوينها عن طريق المتعلم وتحت إشراف وتوجيه المعلم في مقرر دراسي ويعتمد في عرض هذه الأعمال على الوسائط المتعددة من صوت ونص ومقاطع فيديو وصور ثابتة ورسوم بيانية وعروض تقديمية، ويمكن نشره على شبكة الإنترنت وهي تظهر قدرة المتعلم على استخدام المعارف وتطبيقها في مواقف حياتية حقيقية.
التقويم أي كان شكله هو مقياس قدرة الطالب على أداء أدوار معينة وإتقان مهارات بعينها وليس حكما على الطالب بنجاح أو رسوب كما أنه ليس تحد للطالب بل وسيلة لتطوير المحتوى وارتقاء بالطالب إلى مستوى ذلك المحتوى.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.