شعار قسم مدونات

بعد 30 عاما من الوحدة اليمنية.. لماذا الإنفصال الآن؟

Southern separatist fighters are pictured during clashes with government forces in Aden, Yemen August 29, 2019. REUTERS/Fawaz Salman TPX IMAGES OF THE DAY

في كل دولة وكل زمان هناك فئة "غير سوية" تسعى للانفصال عن الدولة الأم وقد تجد لها من المبررات ما تقنع به نفسها وغيرها للانضمام إليها. من روسيا إلى الصين ومن بريطانيا إلى اسبانيا ومن السودان إلى إندونيسيا وتركيا وأمريكا والكثير الكثير. غير أن هذه الفئة تبقى دائما أقلية مهما علا صوتها ووجدت لها منابر تتباها وقوى تدعمها. ولكن لأن الإتحاد هو الأصل والقوة في مواجهة الآخر وهو التكتل الذي يسعى الناس من خلاله لحماية أنفسهم ومصالهم، فصوت القوى ذات النزعة الاستقلالية أو الانفصالية يتوارى أمام أصوات الوحدة والعقل. بالتالي لا يظهر على السطح كمشكلة حقيقة.

 

لا يمكن لدعوات الانفصال أن تصبح تهديداً وجودياً لأي دولةٍ إلا في إحدى حالتين: الأولى أن يكون هناك من عوامل الاختلاف في الهوية ما يجعل الشعب يتمايز بالفعل إلى شعبين غير متجانسين، بالذات عندما يتوافق التوزيع الديموغرافي أي الانشطار في الهوية مع التوزيع الجغرافي للسكان، فيتركز سكان كل هوية في جزء محدد من إقليم الدولة. بالتالي تتواجد قناعة تامة لدى الشعبين أن التعايش بينهما أصبح مستحيلاً وفي هذه الحالة يكون الانفصال سهلاً وسلساً.

 

من أمثال ذلك انفصال الباكستان المسلمة عن الهند وسنغافورة ذات الغالبية الصينية عن ماليزيا وتيمور الشرقية ذات الغالبية المسيحية عن إندونيسيا. والثانية أن تكون السلطة المركزية للدولة هشة بحيث لا تستطيع حماية الدولة من التدخلات الخارجية التي تسعى لتغذية النزعات الانفصالية وتبنيها، وتوسيع الشرخ المجتمعي. وهذا هو ما يجري في الحالة اليمنية.

 

لا توجد مشكلة ديموغرافية في اليمن تبرر دعوات الانفصال، سواءً في الشمال أو الجنوب. وكل دعاوى التفرقة أو إظهار الشعب بأنه شعبين متمايزين تفشل أمام أي اختبار. فالمجلس الانتقالي الجنوبي لم يستطع إيجاد هوية مشتركة تجمع سكان المناطق الجنوبية مع بعضهم وفي نفس الوقت تميزهم عن سكان المناطق الشمالية، لذلك لجأ إلى هوية الجهة (الجنوب). وهذه بالإضافة إلى كونها هوية مصطنعة وليست أصيلة فهي غير مسبوقة.

The flag of former South Yemen is seen at a checkpoint manned by pro-government soldiers in the southern port city of Aden, Yemen October 9, 2016. Picture taken October 9, 2016. REUTERS/Fawaz Salman

فلا يوجد انفصال عن دولة حدث بسبب الجهة شمالاً أو جنوبا، شرقاً أو غرباً. ومع ذلك فحتى هذه فشلت، فست من محافظات الجنوب الثماني رفضت دعواه. فشل دعاوى الاختلاف في الهوية كمبرر للانفصال ينسحب على الشمال أيضاً. فبرغم دعاوى التميز العرقي الحوثية إلا أنهم لا يطالبون بالانفصال بل بالاستئثار بحكم اليمن كاملاً.

 

لدينا الآن أو لدى المجلس الانتقالي مشكلة حقيقية في تعريف " الجنوبي". وفي ظل التداخل والتناقل بين مختلف مناطق اليمن بما فيها الشمالية والجنوبية، يبرز السؤال التالي؛ عند أي نقطة تأريخية نبدأ بتعريف الجنوبي للتمييزه عن الشمالي؟ فمثلاً، هل عبد الفتاح إسماعيل ذي الأصول التعزية "شمالية" – وهو الذي كان رئيساً لليمن الجنوبي سابقاً – جنوبي؟ وهل باسندوه العدني شمالي؟ وهل الذين سكنوا عدن وغيرها منذ أيام الاحتلال البريطاني شماليون أم جنوبيون؟ وكيف نصنف سكان الشمال الجنوبيين الذين عاشوا فيه منذ ما قبل الوحدة؟ وماذا عن الميسري وهادي والجبواني واليماني وغيرهم من قادة الدولة حالياً؟ الحقيقة أن الجهة لا تنشئ هوية، لذلك فشلت في تحقيق تطلعات المجلس الانتقالي.

 

الصراع الآن ليس بين شعبين شمالي وجنوبي حول الوحدة أو الانفصال. الصراع حالياً بين الجنوبيين على محاولة اصطناع هوية "الجنوبية" واختطافها واختطاف الناس ومصيرهم ومستقبلهم على أساسها. وإلا فإن أغالب قادة الدولة حالياً جنوبيون. فكيف سينفصلون عن كيان لهم السلطة فيه؟ المشكلة في تعريف المجلس الانتقالي (للجنوبي). فالجنوبي من وجهة نظره هو من يدعم توجهاته الانفصالية. أما الجنوبيون الوحدويون فهم إما إرهابيون أو خونة أو مرتزقة في أدبياته.

 

في حوار عابر مع أحد المغتربين المؤيدين للمجلس الانتقالي (لا أعرفه) قال لي بمنطق الأنانية المفرطة وبصريح العبارة دعك من ذلك كله. لو قسمنا ثروة الجنوب "على اعتبار أن الثروات تتركز في الجنوب، وهذا غير صحيح" على سكانه (7 مليون) أليس أفضل من تقسيمها على (30 مليون) سكان اليمن حالياً؟ قلت له ولو قسمناها على سكان محافظات شبوة وحضرموت والمهرة "باعتبارها تتركز فيها" المليوني شخص أليس أفضل من تقسيمها على الـ (7 مليون) سكان الجنوب بالكامل. قال كنا دولة مستقلة قلت له وتلك كانت سلطنات مستقلة قبل ذلك. فبهت، وحتى دعواه الأنانية هذه سقطت.

 

إذاً، فدعاوى الانفصال ليست نتيجة لعوامل داخلية بل لتدخلات خارجية، يعزف المتدخلون فيها على وتر تحسين الأوضاع الاقتصادية واقتصار ثروات الجنوب على الجنوبيين. فلم نكن لنصل إلى هذا المستوى من الخطر الذي يهدد الوحدة لولا تدخل الإمارات في تغذية النزعة الانفصالية وتبنيها ومأسستها ودعمها بالمال والسلاح والخبرات. ولم تكن الإمارات لتتدخل بهذا الشكل الفج والصريح لولا ضعف سلطة الدولة اليمنية وضعف قيادتها الحالية. وصحيح أنه لولا الانقلاب الحوثي لما وصلت دولتنا إلى هذا المستوى من الضعف والتمزق ولكن لا ينبغي أن يكون الانقلاب الشماعة التي نبرر بها الفشل الحاصل، فالإمارات تغذي الانفصال جهاراً نهاراً بينما نقاومها نحن على استحياء.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان