شعار قسم مدونات

سلطان باشا الأطرش أسطورة المقاومة في العصر الحديث

سلطان باشا الأطرش 1891- 1982 واحد من زعماء العرب الأسطوريين على الرغم من أنه لم يعش في عصر الأساطير وإنما عاش في العصر الحديث، عاش سلطان باشا الأطرش أكثر من واحد وتسعين عاما كان له شأنه الرفيع فيها منذ كان شابا وحتى وفاته. ولد في 5 مارس 1891 في القريا، وتوفي فيها 26 مارس 1982، و كان على الرغم من بساطة حياته وزهده في ملذات الجاه والنفوذ والسلطة صاحب سلطة كبيرة وشخصية مؤثرة وتاريخ مُنفرد، وقد عُرف بالوطنية الفائقة وبالشجاعة التي لا حدود لها، كما عُرف وهو الأهم بإيمانه العميق بالوحدة الوطنية لسوريا ورفضه سياسات أو تسويات التجزئة، ولو أنه قبل بهذا لجعله الأمريكيون والغربيون الزعيم العربي الأول ومنحوه جوائز عالمية من قبيل جائزة نوبل، وجعلوا الإعلام الغربي كلّه تحت قدميه يصور جهوده الانفصالية على أنها الحكمة المصفاة،  ويصور تعاونه معهم في تقوية نزعات الانفصال التي يُريدونها مُنتشرة على أنه استقلال وكفاح من أجل الاستقلال ومن أجل الحفاظ على الشخصية القومية الدرزية!!.

 

كان سلطان باشا الأطرش وفيا لقيمه وعروبته ودينه وأهله وغير معني بالصور الزائفة من البطولة ولا بما كان الغربيون سيقولونه عنه لو أنه كان قد قبل بمخططات التجزئة والتفتيت، كان والده ذوقان هو مؤسّس المشيخة الطرشانية في 1869، وكان هذا الوالد هو قائد معركة 1910 في الكفر ضد الحاكم العثماني سامي باشا الفاروقي، في زمن سطوة الانقلابيين العسكريين الحمقى الذين دمروا كيان الدولة العثمانية،  وليس أدل على حمقهم من سلوكهم في مثل هذه المعارك التي فتتت الدولة نتيجة غطرسة الانقلابيين العسكريين الذين، على سبيل المثال، أُعدموا هذا الأب في 1911بسبب قيادته هذه المعركة.

الباشوية التي حصل عليها

كان سلطان باشا قد أدى الخدمة العسكرية في جيش الدولة العثمانية في الأناضول ومُنح لقب باشا (وهو لقب عسكري غير اللقب التركي المدني الشائع في مصر وشقيقاتها العربية والعثمانية) بعد عودته إلى سوريا أصبح واحدا من الثوار المُنتشرين في سوريا الكبرى الذين تجمعهم روح الثورة التي لم تكن تتوقف ولا تتحدّد في ذلك الوقت، ويُذكر له أنه كان أول من رفع علم الثورة العربية قبل أن يدخل جيش الملك فيصل الأول إلى دمشق الشام (1918) وأنه كان أهلا لتقدير الملك فيصل بسبب شجاعته وأسبقيته إلى رفع العلم العربي في ساحة المرجة فوق دار الحكومة في وسط دمشق، وقد ذكرت الدكتورة ريم منصور الأطرش أن تحرير دمشق تم على يد سلطان الأطرش ورفاقه في 30 سبتمبر 1918 قبل دخول الجيش البريطاني إليها. أما الأمير فيصل (الملك فيما بعد) فقد دخل يوم 2 نوفمبر 1918

رفضه العرض الفرنسي

ويذكر لسلطان الأطرش في ذلك الوقت موقفه الوطني الأبي حين عرض عليه الفرنسيون أن يحكم دولة باسم جبل الدروز في السويداء، لكنه رفض العرض، بل إنه ظل يُعارض أيضا في قيام دولة لبنان الكبير، ولما قرّر وزير الدفاع السوري يوسف العظمة أن يُقاوم الفرنسيين بقيادة جورو في موقعة ميسلون جهّز سلطان باشا الأطرش قوات كبيرة لنجدة العظمة وانطلق بها إلا أنه سمع وهو في الطريق بنبأ انكسار الجيش العربي واستشهاد القائد العظيم يوسف العظمة. وعندئذ حاول سلطان باشا الأطرش أن يدعو الملك فيصل إلى التحصّن في جبل الدروز ويُقاوم بدلا من أن يترك سوريا لكن الملك فيصل كان يعتقد أن الأوان قد فات.

في 4 مايو 1921 عقد القائد الفرنسي الكولونيل كاترو اتفاقا مع العشائر الدرزية لإنشاء كيان سياسي لهم في جبل الدروز، وعيّن سليم الأطرش كأول حاكم درزي للجبل لكن سلطان باشا سرعان ما تمرّد على غورو بسبب اعتقال الفرنسيين للمجاهد أدهم خنجر، وبذل محاولته لاستنقاذه من أيدي الفرنسيين الذين أعدموه في 30 مايو 1923 في بيروت، وهكذا بدأت حرب عصابات بين سلطان باشا الأطرش والفرنسيين واستقدم الفرنسيون قوات كبيرة اضطر معها هذا الثائر العظيم للهرب إلى الأردن في أواخر صيف 1922 لكنه بضغط وجهد بريطاني عقد هدنة مع الفرنسيين أبريل 1923، توفي الحاكم الدرزي سليم الأطرش مسموما في دمشق 1924 وعيّن الفرنسيون كاربييه حاكما على جبل الدروز فبدأ سياسات التعسف مما أدى إلى انتشار روح الثورة والدعوة إليها .

ثورة الدروز

قدم الدروز وثيقة 6 يونيو 1925 طالبين من المفوض الفرنسي في بيروت ساراي تعيين حاكم درزي للجبل بدلا من الكابتن الفرنسي كاربييه، لكن المفوض الفرنسي ساراي طرد وفد الدروز من بيروت فاندلعت الثورة، أعلن سلطان باشا الأطرش بيان الثورة في 21 سبتمبر 1925 وبدأ في مهاجمة القوات الفرنسية في عدة مواقع وعدة معارك واستشهد شقيقه مصطفى الأطرش في إحدى هذه المعارك، وقد ساند حزب الشعب بقيادة الدكتور عبد الرحمن الشهبندر هذه الثورة، ويبدو بوضوح أن الدكتور الشهبندر اتخذ من هذه الثورة مُنطلقا إلى بدء ثورة سورية أشمل، وهكذا أصبحت السُويْداء بُؤرة أولى للثورة .

 

وقد شجّع الزعيم إبراهيم هنانو (في حلب) هذا الاتجاه، وكذلك فعل وبحماس أكبر زعيم دير الزور العياش بك في دمشق والذي بفضله تأجّجت ثورة دير الزور، وهو ما جعل الفرنسيين يُعدمون الثائر العياش و12 ثائرا آخرين في 15 سبتمبر 1925، كما سُجن الباقون، واغتيل عياش الحاج عميد تلك العائلة الوطنية العظيمة، كذلك لقيت هذه الثورة دعم الثائر العظيم فوزي القاوقجي في معرة النعمان ومدينة حماة، وامتدّت الثورة إلى غوطة دمشق بقيادة المجاهد حسن الخراط وفي 18 أكتوبر 1925 دخل الثوار دمشق. كانت الثورة التي أشعلها سلطان باشا الأطرش وقادها مع أقرانه آخر نموذج للمقاومة الشعبية الأسطورية، وعلى سبيل المثال فإنه في معركة المزرعة الشهيرة التي وقعت في 2 و3 أغسطس 1925 كان الثوار 400 فقط سحقوا جنود حملة ميشو الفرنسيين الذين بلغ عددهم 13 ألف جندي.

الفرنسيون يشددون الخناق عليه

في المقابل كثّفت القوات الفرنسية المحتلة من معاركها حتى شدّدت الخناق على سلطان الأطرش والمجاهدين فانتقلوا إلى الأردن لكن البريطانيين لم يُمكّنوهم من البقاء بالطبع فاضطروا للانتقال إلى شمال جزيرة العرب ورفضوا تسليم أسلحتهم، وحُكم على سلطان الأطرش بالإعدام، وبقي مُطاردا حتى تم توقيع معاهدة 1936 فصدر العفو العام عن كل المجاهدين وعاد سلطان الأطرش إلى وطنه فاستُقبل استقبالا شعبيا ضخما في دمشق، سجل سلطان الأطرش أحداث هذه الثورة في كتاب: "أحداث الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش"،  وقد صدرت طبعة ثانية عن دار طلاس في دمشق 2008.

ظلت روح الثورة متوقدة في نفس وعقل سلطان الأطرش ولهذا فإنه في 1945 شارك في الاحتجاجات السورية على عدم وفاء الفرنسيين بعهودهم في الجلاء، وكان جبل العرب أسبق المحافظات السورية في طرد الفرنسيين تطبيقا للاتفاقات المستحقة، وتذكر الدكتورة ريم منصور الأطرش في مقال لها أن الأمير حسن الأطرش محافظ السُويْداء هو الذي استطاع تحريرها من الانتداب الفرنسي حيث حجز الضباط الفرنسيين، وأن هذا كان هو السبب الذي جعل القائد الفرنسي أوليفيه روجيه ينتقم بقصف البرلمان السوري في 29 يناير 1945 وهي تذكر لوالدها أنه كان أصغر النواب في برلمان 1945 وكان نائبا عن حزب البعث السوري.

 

وعندما بدأت بوادر حرب فلسطين كانت دعوة سلطان الأطرش صريحة بتأسيس جيش عربي موحّد وتطوع الدروز في هذه الحرب واستشهد منهم ثمانون بطلا، عاش سلطان باشا الأطرش حقبة الانقلابات العسكرية في ضيق وقلق حتى أنه اضطرّ لمُغادرة سوريا إلى الأردن قرب نهاية عهد العقيد الشيشكلي، لكنه عاد إلى وطنه بعد سقوط حكم العقيد الشيشكلي. وتذكر حفيدته الدكتورة ريم أن جدّها سلطان باشا فضّل اللجوء إلى الأردن ليتجنُب مواجهة مُسلحة بين أبنائه والجيش السوري، أما والدها فكان سجينا سياسيا لأنه كان ضد ديكتاتورية العقيد أديب الشيشكلي.

تأييده الوحدة مع مصر

كان سلطان باشا الأطرش مُؤيّدا للوحدة مع مصر في 1958 وكان ضد الانفصال الذي حدث مع 1961 لكن صوته شأن أصوات الوطنيين لم يجد الصدى المُتوقّع فقد كان النظام الناصري نفسه مُرحبا بالتخلي عن الوحدة. ومع هذا فإنه مما يُذكر للرئيس جمال عبد الناصر أنه كان قد زار هذا الزعيم العظيم في السُويْداء. وما يذكر أيضا أن سلطان باشا الأطرش أيّد انتفاضة لبنان ضد كميل شمعون في 1958 وهي الانتفاضة التي بدأت معها ألمعية الزعيم كمال جنبلاط، بقي سلطان باشا الأطرش صامدا من أجل ما آمن به من الحرية وكرامة الإنسان ووحدة سوريا، ويُذكر له أنه تصدّى لمجوعة صلاح جديد وحافظ الأسد في 1966 عندما تم القبض على بعض الدروز ولهذا بقيت علاقة الرئيس حافظ الأسد بسليمان باشا الأطرش فاترة، وإن كان الرئيس حافظ الأسد قد زار الجبل بنفسه للعزاء في وفاة سلطان الأطرش.

دور على الأطرش في النضال

عرضت الدكتورة ريم منصور الأطرش كتابا فرنسيا صدر بعنوان: حين تستيقظ سوريا، في مقال نشرته في السفير الثقافي (16 سبتمبر 2011 ) فأشارت إلى أن لسلطان باشا شقيقا ثائرا بارزا هو علي، وأنه هو جد طلال الأطرش أحد مؤلفي هذا الكتاب الذي قدم نفسه على أنه حفيد سلطان باشا الأطرش، وبما أنها هي الحفيدة وليس هو فإنها تُشير إلى حقيقة قرابته وهو أنه ابن حفيدة على الأطرش شقيق سلطان الأطرش، وتُشير الدكتورة ريم إلى أن على الأطرش جد والدة طلال الأطرش كان فارسا لا يُشقّ له غبار وأنه في 3 يناير 1927 قاد الفرسان في معركة بوزريق الشهيرة ضد الفرنسيين وكان القتال يجري فيها من بيت على بيت. وذكرت أن والدها منصور سلطان الأطرش أصرّ وهو سجين سياسي في 1966 على المشاركة في جنازة عمه على وقد تم له ما أراد، وبعد أسبوع عاد إلى السجن بكامل إرادته.

مذكرات منصور الأطرش نجل سلطان باشا

وتذكر الدكتورة ريم منصور الأطرش أن لوالدها منصور الأطرش (ابن سلطان باشا) سيرة ذاتية بعنوان "الجبل المُدان" حقّقتها هي ونشرتها في دار الريس في بيروت 2008. وتذكر لوالدها أيضا أنه نظم وقاد أول تظاهرة عربية عفوية نزلت الشارع بعد سقوط بغداد من أجل مًساندة العراق ودعمه، وانه كان رئيسا للجان السورية لنُصرة العراق، وأنه رغم ثقل السنين لم يهدأ له بال في سبيل تأمين المآوي المناسبة للاجئين العراقيين في سوريا، وأنه سجل هذه الجهود في كتابه "في سبيل العراق" الذي أشرنا إلى أنها حقّقته، ونشرته دار الفرات في بيروت 2010.

تشييع جنازته

شُيّعت جنازة الأطرش كما لم تُشيّع جنازة أخرى في سوريا، وقد شارك فيها نصف مليون شخص، وألقى الرئيس حافظ الأسد نظرة الوداع على جثمانه مع كبار رجال الدولة. وأُطلق اسمه على ساحة في السُويْداء وأُمر بإنشاء صرح يضم رفاته ويُخلد ذكرى شهداء الثورة السورية الكبرى، ودُشن هذا الصرح في عيد الجلاء في 17 أبريل 2010، وكذلك فعل ياسر عرفات في مدينة رام الله تخليدا لذكرى الحامية الدرزية التي أرسلها سلطان الأطرش دفاعا عن فلسطين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.