أوردت إحدى الصحف اللبنانية قبل أيام خبراً مفاده أن العمل جار لإجراء تعديل وزاري للحكومة اللبنانية يُبقي على رئاسة حسان دياب للحكومة مقابل استبدال بعض الوزراء بضباط من الجيش سعياً لاستمالة الشارع الغاضب من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية.. لم يأخذ الخبر حيّزاً كبيراً من الاهتمام، لكن ما يعنينا هو دلالته وما يؤشر إليه. فرغم التجارب الكثيرة التي مرّت بلبنان واللبنانيين، والتي مرّت بالعالم أجمع وخاصة الدول العربية، مازال البعض يضفي هالة من القدسية على ضباط الجيش رغم أن التجارب التي مرّت بهم لم تكن مبشرة.
وأنا هنا سأقدم نماذج من لبنان حصراً، رغم أن النماذج العربية أكثر من أن تحصى. في لبنان، لايحتاج الأمر لكثير شحذ للذاكرة، وأنا لن أتطرق لعشرات كبار الضباط الذين امتهنوا -بعد تقاعدهم- التطبيل لهذا الزعيم أو ذاك الحزب والتنظير لهذا الفريق السياسي أو ذاك عبر وسائل الإعلام بعدما تحوّلوا إلى محللين وخبراء، وانكشفت ولاءاتهم الحزبية التي كان يفترض أن لاتكون في ظل ولائهم للمؤسسة العسكرية. سأتحدث فقط عن نماذج وصلت لأعلى الرتب واعتلت رأس هذه المؤسسة وقادتها لسنوات ثم بعد ذلك تعرّضت للتخوين والرفض والشتم. وهنا لا أقدم وجهة نظر محددة، فمن محاسن الصدف أن كل نموذج تعرض للتخوين والشتم والتقريع من فريق مختلف.
النموذج الأول هو رئيس الجمهورية إميل لحود الذي وصل سدة الرئاسة في ظل زخم إعلامي وتأييد شعبي كبيرين، وهو الآتي من المؤسسة العسكرية التي مازالت حتى يومنا هذا تكاد تكون المؤسسة الأكثر تأييداً بين اللبنانيين، كما في معظم أقطارنا العربية. لم يمر وقت طويل قبل أن يتبيّن أن الولاية الرئاسية للحود كانت الأسوأ، والتي توّجت باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. فخلال عهده بات النظام اللبناني بمؤسساته المختلفة أدوات لدى ضباط المخابرات السورية. ولاية لحود الرئاسية انتهت وأكثر من نصف الشعب اللبناني يرفضه ويشتمه ويتهمه بالعمالة للنظام السوري.
النموذج الآخر الذي يقف على الضفة المناقضة لإميل لحود هو رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وهو أيضاً آت من رأس المؤسسة العسكرية، جاء تسوية لانقسام سياسي وأمني تمّ في اتفاق الدوحة. لم يخرج سليمان خلال ولايته الرئاسية عن طوع من اختاره، لكنه أراد الحفاظ على حد أدنى من هيبة مهدورة للدولة، فلم ينبطح كما انبطح لحود، وارتكب جريمته العظمى باقتراحه بحث سلاح حزب الله، فكان هذا الموقف إشارة البداية لتخوينه وشتمه والإساءة إليه. علماً أن الفريق الذي خوّنه وشتمه هو الفريق نفسه الذي كان مؤيداً لإميل لحود.
هناك نموذج آخر جاء إلى السلطة وكان سابقاً على رأس المؤسسة العسكرية ولكن ليس متاحاً الحديث عما ارتكبه بسبب موقعه الحالي في السلطة، رغم أن جميع حلفائه اليوم كانوا أعداءه في السابق وكانوا يتهمونه بالعمالة والإجرام وكانوا يسعون للانقضاض عليه.
ما سبق لايعني أن ضباط المؤسسة العسكرية كلهم على هذه الشاكلة، لكنه يعني أن ضباط المؤسسة العسكرية حالهم كحال بقية اللبنانيين وكبقية الشعوب العربية، فيهم الصالح وفيهم الطالح، فيهم من اعتاد التبعية والولاء لهذا الحزب وذاك الزعيم وتلك الدولة، وفيهم من تمسك بمناقبيته العسكرية والتزم بولائه لمؤسسته ووطنه. وإذا كانت قوانين وضوابط المؤسسة العسكرية تفرض على ضباط هذه المؤسسة أداء مشرفاً خلال وجودهم في صفوفها، فإن ذلك لايعني بالضرورة أن يحافظ هذا الضابط على هذا الأداء حين يخرج من صفوف المؤسسة ويتقلد مناصب في السلطة.
على اللبنانيين وعلى كل الشعوب أن لاتخلط بين تأييدها للمؤسسة العسكرية كمؤسسة وطنية جامعة ضابطة، وتأييد ضباط ليس مستبعداً أن يكونوا وجوهاً جديدة للسلطة الفاسدة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.