موضوع المشاركة السياسية للمرأة من المواضيع الجدلية والتي يتهم فيها الفقه السياسي الإسلامي بالجمود وأنه يقف ضد حقوق المرأة في منعها من مزاولة السلطة السياسية ولن أخترع في هذا المقال ما هو جديد عن الموضوع لكن سأركز على أمور منفق عليها في الشريعة الإسلامية وبين العلماء حول مشاركة المرأة السياسية.
بداية لا بد من تحرير النزاع في هذه المسألة، اختلف الفقهاء المعاصرون في هذا الموضوع في مسألة واحدة فقط وهو جواز تولي المرأة الحكم واستدل من ذهب إلى المنع بأقوال الفقهاء القدامى وهو المنع من تولي الخلافة باتفاق فمن شروط الخليفة أن يكون ذكرا وقد علل الفقهاء بالمنع بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة ابنة كسرى الفرس عندما أخبروه بأنها تولت الحكم فقال لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة واشتراط الذكورة لأن الخلافة فيها مشقة كبيرة ومنها الحرب فالخليفة هو القائد في المعركة وفي ساحات القتال وهذا لا يناسب تكوين المرأة الجسدي وطبيعتها لأن الخليفة قد يضطر أن يذهب إلى القتال ويستمر القتال شهورا عديدة ومن الطبيعي ألا تتحمل المرأة أعباء الحرب والقتال، وأما من قال بالجواز فقد نظر إلى الموضوع بأن طبيعة الحكم تغيرت واختلفت ولم يعد هناك خليفة مسؤول عن مساحات كبيرة من الأراضي وإنما مسؤوليات الرئيس اليوم وصلاحياته تختلف عن مسؤوليات الخليفة في السابق فالرئيس يرأس سلطة تنفيذية مقيدة بالقوانين والدستور خلافا للخليفة، وأما حديث لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة فيقولون بأنه ورد قصة عن ابنة كسرى ولا يقصد من الحديث إنشاء حكم وإنما هو خبري يقصد منه الإخبار عن ابنة كسرى بأنا ستهزم.
أحداث السيرة النبوية فهي مليئة بأحداث سياسية كان للمرأة دور بارز فيها وأولها خديجة فقد كان علماء السيرة يعتبرون الوزير الأول في الإسلام هو خديجة رضي الله عنها ويشبهونها بمقام الوزير الذي يستعان به في تنفيذ المهمات |
ومن خلال هذه النقاط والأدلة أصبح موضوع تولي المرأة الرئاسة مثار جدل وسأستعرض في هذا الموضوع النقاط الرئيسية والمتفق عليها عند المانعين والمجيزين في قضية المشاركة السياسية للمرأة، أولا، العلة عند القائلين بالمنع هو عدم قدرة المرأة على القيام بأعباء الخلافة بسبب ما تطلبه الخلافة من جهد وأعباء كبيرة وقتال وهذا لا يناسب طبيعة المرأة فليست العلة عندهم هو تمييز الرجل عن المرأة أو أن الرجل أكثر ذكاء ودهاء وتخطيطا من المرأة بل هم يؤكدون أن المنع ليس نقصا في أهلية المرأة فالمرأة لها أهلية كاملة وشخصية مستقلة عن الرجل تستطيع أن تبيع وتشتري وتتملك وتدافع عن حقوقها وتطالب بحقوقها ولا تحتاج إلى ولي أمر لها بل تتحمل المسؤولية الكاملة كالرجل وإنما المنع بسبب ما تتطلبه الخلافة من مشقة وجهد لا يتناسب مع طبيعة المرأة.
ثانيا، إن الخلاف بين الفقهاء كان في نقطة واحدة وهو تولي الحكم وأما ما عداه من شؤون الدولة والحكم فقد أجمع الفقهاء أنه لا فرق بين الرجل والمرأة فيهم بل يمكن للمرأة أن تتولاها كما يتولاها الرجل. ثالثا، إن المشاركة السياسية للمرأة إن أردنا إثباتها في القرآن والسنة نجد الأدلة القطعية الكثيرة التي تبين مشاركة المرأة في جميع النواحي السياسية وسأسرد الآيات والأحاديث التي تؤكد ذلك، يقول تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض والولاية هي النصرة والحماية وهذه الآية تبين أن المؤمنون والمؤمنات ينصرون بعضهم بعضا ويوالون بعضهم بعضا فقد ينصر الرجل المرأة وقد تنصر المرأة الرجل وقد تتولى المرأة شأن الرجل وقد يتولى الرجل شأن المرأة.
والمرأة شاركت في الاجتهاد الذي هو سلطة تشريع القوانين بالمعنى المعاصر وكانت سببا في نزول أحكام جديدة كما في سورة المجادلة تلك المرأة التي ذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تقول للرسول إن زوجها قال لها أنت كأمي والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لها ما أراك إلا حرمت عنه وهي تراجعه مرارا وتكرارا والرسول يجيبها نفس الجواب حتى نزلت سورة المجادلة وبينت حكم الظهار بسبب هذه المرأة قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ثم تبين الآيات حكم الظهار وأنه يجوز للمرأة أن ترجع إلى زوجها وزوجها يدفع الكفارة.
وأما أحداث السيرة النبوية فهي مليئة بأحداث سياسية كان للمرأة دور بارز فيها وأولها خديجة فقد كان علماء السيرة يعتبرون الوزير الأول في الإسلام هو خديجة رضي الله عنها ويشبهونها بمقام الوزير الذي يستعان به في تنفيذ المهمات والاستشارة وحل المشكلات وكذلك بيعة النساء ولم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم ببيعة الرجال عندما أراد الهجرة إلى المدينة فقد طلب البيعة من النساء وقال تعالى يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك وكذلك دور مشورة أم سلمة للرسول صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية وإنقاذ الجيش من الهلاك عندما استشار الرسول أم سلمة في أمر عسكري فأشارت عليه أن يتحلل فيحلق وينحر وفعل كما أشارت ثم نفذ الصحابة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وتلك المرأة التي انتدبنها النساء في أن تطالب بحقوقهن أمام الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الرجال ذهبوا بالأجور في الجهاد وفي صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم لهن يوما وأم هانئ بنت أبي طالب عندما استجار بها رجل من المشركين (وهو ما يعرف اليوم بطلب الحماية) وأراد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يقتله فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حمايتها للرجل وقال قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ.
وقد خلد الإسلام نماذج عن المرأة التي تشارك في الجهاد وفي مساعدة الجيش والقتال إن اضطر الأمر مثل نسيبة المازنية أم عمارة وأسماء بنت أبي بكر التي تساعد الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة، وأما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه فقد كان للمرأة الدور في صنع الأحداث التاريخية فهذه عائشة رضي الله عنها تسير جيشا كاملا مطالبة بدم عثمان بن عفان في موقعة الجمل وهذا عبد الرحمن بن عوف يستشير جميع النساء حتى العذارى في خدورهن في أمر اختيار الخليفة والقصص الكثيرة التي تدل على مشاركة المرأة في الحياة السياسية ولم ينقل عن أحد من الصحابة أو الخلفاء الانتقاص من رأي المرأة أو منعها من المشاركة لأنها امرأة بل كان رأيها موضع تقدير واهتمام من المجتمع
رابعا ورد في القرآن الكريم قصص لملكات صالحات على سبيل المدح لأنهن أنقذن أقوامهن من هلاك محقق ومنهن سبأ ملكة بلقيس والتي استطاعت بفضل حنكتها وخبرتها ودهائها أن تنقذ المدينة كاملا وأسلمت بسليمان والقصة موجودة بكاملها في سورة النمل بينما ذكر القرآن الكريم نماذج عن ملوك أفسدوا البلاد والعباد بسبب تكبرهم كفرعون ومن القصص على سبيل المدح ابنتا شعيب اللتان ساعدتا موسى عليه السلام عندما هرب من بطش فرعون وآسيا امرأة فرعون والتي أسلمت لله رب العالمين بالرغم من بطش فرعون وتجبره ومريم بنت عمران والتي قال عنها بعض العلماء أنها نبية وأجازوا أن يكون النبي أنثى بناء على ذلك فهذه القصص كلها تدل على دور المرأة في الأحداث السياسية وفي الشأن العام وعلى رجحان عقلها وقوة شخصيتها.
جميع هذه الأدلة تثبت لنا بما لا يدع مجالا للشك اهتمام الإسلام بالمرأة وأنها مساهمة في الشأن العام والعمل السياسي وليست مقتصرة على أعمال منزلية خاصة وأهلية المرأة الكاملة وأنها ليست موضع انتقاص لأنها امرأة وأما منع الفقهاء من تولي المرأة الخلافة ليس بسبب نقص في عقلها كما يشاع أو عدم قدرتها السياسية أو عدم كفاءتها في القيادة بل لوجود أعمال لا تتناسب مع طبيعة المرأة الجسدية مع ملاحظة أن موضوع الحكم في العصر الحديث يختلف عن موضوع الخلافة ومهما يكن فإن الخلاف كان في مسألة واحدة وهو تولي رئاسة الجمهورية لاعتبارات اجتهادية وأدلة شرعية فهل تكون هذه المسألة سببا في نسف الحقائق القاطعة التي وردت في القرآن والسنة بدور المرأة في المشاركة السياسية والعمل السياسي ومشاركتها في الشأن العام.
ختاما إن الإسلام أسس ولفت الأنظار إلى دور المرأة في العمل السياسي وأكد على مشاركتها في العمل السياسي من خلال السيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين وأعطاها الحق الكامل في العمل السياسي الذي يتناسب مع طبيعتها وتكوينها الجسدي ولم ينقص من حقها شيئا وإن منع الممارسة من بعض الأعمال ليس بسبب نقص أهلية كما يروج وإنما بسبب عدم المناسبة كما أن الرجل لا يستطيع أن يمارس بعض الأعمال التي لا تتناسب مع طبيعته الجسدية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.