شعار قسم مدونات

الفلسطيني في لبنان لبناني أكثر من كثيرين.. لكنه غريب

blogs فلسطينيو لبنان

قرار عنصري وظالم ومقيت أصدرته السلطات اللبنانية قبل أيام قضى باستثناء الفلسطينيين الذين يحملون وثيقة لبنانية من لوائح القادمين على متن الرحلات المخصصة للمغتربين في ظل جائحة كورونا. هذا القرار كما الكثير من القرارات التي سبقته، والتي تقطر عنصرية وظلماً انعكس حملة غاضبة من فلسطينيين ولبنانيين على وسائل التواصل الاجتماعي. الملفت أن القرار الصادر عن الأمن العام اللبناني والذي اعتقد البعض أنه صدر خطأ ودون دراسة، عاد وأكد عليه المجلس الأعلى للدفاع في اجتماعه الأخير برئاسة رئيس الجمهورية وحضور معظم أركان الدولة "باقتصار العودة على معيار الأفضلية والأولوية للبنانيين حصرا".

 

بدأت القصة مع شاب فلسطيني اتصلت به السفارة اللبنانية في أبو ظبي، أبلغته بورود اسمه على لائحة المسافرين على متن الطائرة المخصصة للعودة، في المطار وبعد الانتهاء من إجراءات المغادرة وعلى باب الطائرة أوقفه عنصر الأمن العام اللبناني وعامله -كما قال صاحب القصة على صفحته على الفايسبوك- باحتقار وغلظة وقلّة أدب ومنعه من المغادرة على متن الطائرة. الراجح هو أن ما حصل مع الشاب خطأ إداري وتنفيذي مرتبط بعدم تبلّغ البعثات الديبلوماسية القرار باقتصار العائدين على اللبنانيين، وهو ما تسبب بالمشكلة في المطار وربما في مطارات أخرى، طبعاً إذا تجاوزنا طريقة تعامل عنصر الأمن العام مع الشاب، والتي تتطلّب من المعنيين التحقيق به ومتابعته.

 

الفلسطيني وُلد ونشأ وتربى ودرس وعمل وتزوج وأنجب في لبنان، ويعرف عن لبنان وأهله أكثر من كثير من اللبنانيين، وليس له بلد آخر يذهب إليه، رغم كل ذلك يُعامل معاملة الغريب

بالعودة إلى القرار العنصري واللا إنساني، وأدرك أن ما سأقوله لن يعجب كثيرين، لكن ما قامت به الدولة اللبنانية هو ما قامت وتقوم به كل دول العالم، وهو السلوك الطبيعي والمنطقي للدول تجاه مواطنيها ورعاياها سواء أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا. فكل الدول تهتم بمواطنيها فقط، وتسعى لتأمين عودتهم دون بقية خلق الله. ومن غير المنطقي المطالبة بتأمين عودة من هم ليسوا لبنانيين، خاصة أن أعداد الراغبين بالعودة أكبر بكثير من قدرة الدولة على استقبالهم، في ظل جائحة كورونا والإجراءات والفحوصات التي يتطلبها استقبالهم، وضعف القطاع الطبي والأزمة الاقتصادية والنقدية التي يعاني منها، وبالتالي كان القرار بإعطاء الأولوية للبنانيين دون غيرهم. هذه الحادثة تدفعنا لبحث المشكلة الأساسية والجوهرية التي يجب الوقوف عندها، وهي لماذا يتم التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين الذين يحملون وثائق لبنانية كأجانب؟!

 

الجواب: نعم للأسف الدولة اللبنانية لا تعتبر اللاجئين الفلسطينيين مواطنين، وترفض منحهم الجنسية اللبنانية بذرائع "ثورية شعبوية" تتعلق بالتمسك بحق العودة إلى فلسطين، في حين أن الحقيقة ترتبط بمشكلة طائفية ديمغرافية مفادها أن السلطة لا تريد تعميق الفارق بين عدد المسلمين والطوائف الأخرى إذا ما تمّ تجنيس الفلسطينيين، هذا بالإضافة طبعاً إلى أن شرائح مقدّرة من اللبنانيين -وكثير منهم في السلطة- يصنّف الفلسطينيين في خانة الأعداء.

 

بناء على هذا الواقع مؤسف، شهدنا وسنشهد قرارات كثيرة من السلطة اللبنانية غير إنسانية وغير منصفة وظالمة وعنصرية بحق الفلسطينيين، كمنعهم من تملّك منازلهم التي اشتروها بعرق جبينهم، ومنعهم من مزاولة عشرات المهن والأعمال، وإلزامهم الحصول على إجازة عمل أسوة بالعمال الأجانب. الفارق هو أن العمال الأجانب يعملون سنوات معدودة في لبنان ثم يعودون من حيث أتوا، في حين أن الفلسطيني وُلد ونشأ وتربى ودرس وعمل وتزوج وأنجب في لبنان، ويعرف عن لبنان وأهله أكثر من كثير من اللبنانيين، وليس له بلد آخر يذهب إليه، رغم كل ذلك يُعامل معاملة الغريب، في حين أن لبنانيين آخرين لا يتحدثون العربية، ويفخرون بولائهم لدولة أخرى، ولا يشعرون بأي انتماء للبنان ولشعبه، لكنهم مواطنون لبنانيون درجة أولى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.