شعار قسم مدونات

الانتقال الديمقراطي.. ما بين عقم النخب وسطوة العسكر!

blogs السودان

لعل أميز ما تميزت به ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 المجيدة في السودان، هو الوعى الجماهيري للديقراطية والشورى، على الرغم من الاختلافات الكثيرة بين مفهومي الديمقراطية والشورى إلا أن كليهما يعبر عن معنى الحرية وإبدا الرأي، والحرية هي أحد اضلاع شعار الثور الثلاث -حرية، سلام وعدالة- إذا لماّذا نعاني من تشكيل دستوري يكون ركيزة لبنأ النظام الديمقراطي المرتجى؟ الشاهد في تجارب السياسة السودانية سواء كانت طوائف دينية أو مجموعات سياسية أو مهنية منذ الإستقلال وإلى يومنا هذا، لا صناديق الأنتخاب ولا تنحية العسكر من الحكم يضمن لنا الحصول على ديمقراطية حقيقية، إلى نظام سياسى يعبر عن مصالح الناس وطموحاتهم.

فالأزمة تمُكن في دور الأحزاب ومسؤوليتها عن انهيار النظام الديمقراطي، إذا نظرنا إلى ثورة إكتوبر 1964م، بزاويه أخرى بعيداً عن الأغاني وأشعارها الثورية، ومن باب الفكر في سقوطها على أيادى العسكر بعد خمس سنوات كثمرة ناضجة، نجد بأن الفراغ السياسي وإلاخفاق في إدارة البلاد وتشاكس الأحزاب ومكايدتها إضافة للفراغ الدستوري، يعتبر أحد أهم عوامل إنتكاس الديمقراطية الثانية، فالإحتفاء بإكتوبر دون الإشارة إلى إنقلاب مايو ومعطياتة، يجعل من الصراع الدائر بين القوى الحاكمة والمجموعة الفاعلة في المجتمع حلقة فارغة، تصعب حصول المواطن المهمش على أبسط حقوق المواطنة والعيش الكريم. حتي ما قبل انقلاب 1969م برزت الصرعات الحزبية والمناورات التي لم تترك مجالا أمام تطورها، فتفاقمت الأحوال وإنشغلت القوى التقلدية بمصالحها الحزبية، مما أدى إلى تأزم الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فكانت ولادة انقلاب عسكري –امتداد لثورة أكتوبر ضد الاستعمار والإمبرالية كما سما العقيد جعفر محمد نميري قائد الانقلاب أنذاك.

يتبقى إلقاء نظرة في كيفية هدم الأحزاب للديمقراطيات في السودان بفتح نافذة للعسكر متى ما تهآتفت على السلطة، وهي نتيجة عقم سياسي لا جدار إليه إلا الجيش، من ما جعل السودان منطقة تراكم للنزاعات والأزمات بامتياز

في 1986م بدأت حقبة جديدة من تاريخ الديمقراطية السودانية وهي الديمقراطية الثالثة، ولكن واجهت الحكومة أولى الأزمات في كيفية التخلص من أثار مايو وإصلاح الأوضاع الاقتصادية وإعادة السلام في الجنوب. فالحقيقة كانت مشكلة الجنوب هي المعضلة الأولى في كل الحكومات وأحد أهم الأسباب في الانقلابات العسكرية علي الديمقراطيات الثلاث أخيرها انقلاب الحركة الإسلامية 30 يونيو/حُزيران 1989م .

وعلى ذاك المنوال، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه كمأساة في محنة النخب ودورها في قيادة البلاد من فشل إلى أخر، بعد ثورة ديسمبر ظهرت الأحزاب جميعها دون أي رؤية واضحة لمرحلة ما بعد الإنقاذ، وتكشفت الي الشعب بضلالها القديم وبغياب فكري مخجل؛ وكيف كانت تعيش في ظل النظام البائد لأ معارضة صريحة له – هذا ما شكل فراغاً سياسياً لأ يمكن التقاضى عنه، وكانت فرصة للمؤسسة العسكرية للجلوس في طاولت التفاوض كشريك أصيل في الثورة لأ حافظ وضامن لها فقط، باسم القوات المسلحة وأبنائها من القوات الاخرى، ولأ يجب إغفال الدور الخارجي الإقليمي لدعم طاولة العسكر في التفاوض بنية إجهاض الثورة حفظا لمصالحه وكف العدوة إلى شمال الوادي والمنطقة العربية بصورة عامة، فالحقيقة أن أحزابنا لم تكن بحجم هذه الثورة ولم تكن تتوقعها وإنما ركبت الموجة إطراراً وخوفاً من نجاحها دونهم وإرتدادها عليهم كشركاء في جوف النظام البائد مثل ما حدث مع المؤتمر الشعبي، أما المشكل الحقيقي أن تبقى هذه الإحزاب ثوريه في مرحلة ما بعد الثورة وضد الثورة بأفعالها القديمة.

يتبقى إلقاء نظرة في كيفية هدم الأحزاب للديمقراطيات في السودان بفتح نافذة للعسكر متى ما تهآتفت على السلطة، وهي نتيجة عقم سياسي لا جدار إليه إلا الجيش، من ما جعل السودان منطقة تراكم للنزاعات والأزمات بامتياز، ونقل الصراع إلى مرحلة ما بعد الجنوب، إلى مناطق آخرى -دارفور، والنيل الأزرق- والمتاجرة بالقضايا الوطنية غير الرابحة بين الحركات المسلحة والحكومة السابقة، وفي السياق الجيوسياسي تظل هذه المناطق صعبة الاحتواء وفي تحدى حقيقي لحكومة الفترة الانتقالية ليس في السلام السياسي فحسب، بل في السلام الاجتماعي حتى لا تنفرد المجموعات المسيطرة على تلك المناطق بأجندتها وأجندة من لهم مصالح في استمرار التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية التي يمكن أن تودي إلى مزيد من الصراعات والانقسامات مستقبلاً.

ولتحقيق ذلك لأبد لتصور هياكل الدولة وبناء شرعيتها علي عجلة من الزمن، ربما يكون هذا أمراً صعب في ظل ما تعانيه الحكومة التنفيذية من ضغط الشارع والظرف الاقتصادي والمعيشى التي تمر به البلاد، ومخلفات نظام الإنقاذ الثقيلة وخبث الأحزاب الطائفية التي تعمل وفق مصالحها دون المصلحة العامة وإن كانت مع العسكر ضد بناء الديمقرطية الحقيقة لأ الصورية، من أجل الحفاظ على التركه التاريخية. فالتغيير الحقيقي يقضي على هذه المميزات غير المستحقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.