شعار قسم مدونات

الصحفيون جنود الميدان

blogs صحفي عراقي

بلا حرية لن تكون هناك سوى صحافة سيئة

‏- ألبير كامو

  

يحتفل العالم في الثالث من آيار/مايو من كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو يوم حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، ورفع هذا العام شعار "الصحافة من دون خوف او محاباة"، ويُتَّخذ هذا اليوم مناسبة لتذكير الحكومات حول العالم بضرورة احترام التزامها بحرية الصحافة، ومناسبة أيضا لتأمل مهنيي وسائل الإعلام في قضيتَيْ حرية الصحافة وأخلاقيات المهنة. وأهمية اليوم العالمي لحرية الصحافة لا تقل عنها أهميته من حيث تقديم الدعم لوسائل الإعلام المستهدفة بالتقييد أو بإلغاء حرية الصحافة، إنه أيضًا يوم لإحياء ذكرى الصحافيين الذين فقدوا حياتهم في ممارستهم المهنة.

  

الواقع الصحفي في العراق

بتسليط الضوء على واقع حرية الصحافة في العراق تبدو الصورة أكثر بؤس من أي وقتٍ مضى، مازال العمل الصحفي قائم في بيئة قاسية مع تصاعد حالات الانتهاك والقمع الذي يتعرض لهُ الصحفيين داخل العراق فيما يصعب التعامل مع هذهِ التجاوزات في ظل غياب القانون والحماية للصحفي، نجد أن العراق قد شهد ترجعًا ملحوظًا وتضييق واعتداءات طالت الصحفيون ووسائل الإعلام إضافة إلى ما أصدرته هيئة الإعلام والاتصالات من قرارات تقتضي بأغلاق مكاتب وسائل إعلام وتعليق عمل الأخرى بمختلف المحافظات بذريعة مخالفتها قواعد البث التلفزيوني.

 

وبحسب (منظمة مراسلين بلا حدود) ضمن التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام ٢٠٢٠ حل العراق بالمرتبة 162 من بين ١٨٠ بلد، متراجعًا عن العام الماضي وهذا ما تؤكده لنا الأرقام بتزايد مؤشر التضييق على الصحفيين بوجود ٢٣١ من الصحفيين السجناء، و١١ صحفي قتل أثناء تأديتهُ العمل الصحفي في الميدان أو أغتيل على يد جهات مجهولة، وتؤكد المنظمات معنية بحقوق الإنسان إلى أن هذا مؤشر خطير ضد ممارسة الحريات، ويساهم في تحجيم وتضييق حرية العمل الصحفي.

   undefined

  

في الإشارة إلى أن أغلب الانتهاكات حدثت في نهاية عام ٢٠١٩ وبداية العام الحالي مع ارتفاع وتيرة الاحتجاجات الشعبية في وسط وجنوب البلاد، حيث يواجه الصحفيون والفاعلين الإعلاميين الذين يعملون على تغطية الحدث من الميدان أو حتى من يعملون على التحقيق بشأن قضايا فساد خطرة، قد تعرضوا للمضايقات أو الاختطاف والتهديد أو الاعتداء على أيدي مسلحين مجهولين، في محاولة لثنيهم عن القيام بعملهم.

 

بل ويصل الأمر حد الاغتيال في بعض الحالات وبالرغم من مطالبة جهات حكومية وحقوقية بملاحقة مرتكبي الجرائم ما زالت اغتيالات الصحفيين تغلق ملفاتها دون أي عقاب، علمًا بأن التحقيقات التي تُفتح تبقى طي الكتمان وتنسب الجرائم لمجهول ويفلت الجناة من العقاب، فيما وصفت (منظمة مراسلون بلا حدود) إلى أن "سلامة الصحفي العراقي في خطر أكثر من أي وقت مضى".

 

تفعيل دور النقابات

مما يدعونا كصحفيين إلى المناشدة والمطالبة بإيقاف حالات الانتهاك والقمع التي تطال الصحفيين والعاملين في المجال وحتى المواطن الصحفي الذي يكون مصدرًا للخبر احيانًا، فجميع هؤلاء كانوا خلال الأشهر القليلة الماضية عرضة للتهديد والقتل والملاحقة من قبل جماعات وجهات مجهولة تحاول قطع طرقهم وبث الرعب والتخويف بين العاملين في هذهِ المهنة وكل من يحاول كشف الحقيقة، لذا حتى اليوم ما زالت الأنظمة الديكتاتورية تخاف الحقائق وتصادر الآراء الحرة بالعمل على صناعة جبهات من الصحافة المسيسة وفق آراء السلطة لطمس الحقائق وتغييبها، ويؤسفنا أن العراق أصبح بيئة حاضنة لمؤسسات إعلامية تمارس أدورًا عدة تنعكس سلبًا على الجمهور والرأي العام.

 

وبالحديث عن الصحافة لابد من الإشارة إلى الدور الذي تلعبه النقابات والاتحادات المعنية بالصحفيين والإعلاميين ودورها الذي بالكاد يذكر بوصفها مؤسسات بيروقراطية لم تتمكن حتى الآن من إرساء مبادئ أخلاقية ومهنية تستطيع من خلالها أن تكون نقطة الانطلاق نحو المطالبة بقوانين آمنة لحماية العمل الصحفي التزامًا بتطبيق المواثيق والمعاهدات الدولية، وممارسة دورها النقابي الفعال لخدمة الصحفيين والإعلاميين.

 

ختامًا لابد من الإشارة إلى واقع حرية التعبير في العراق قبل عام ٢٠٠٣ كان هناك إعلام من أجل تلميع صورة ديكتاتور واحد وحزب واحد، بعد عام ٢٠٠٣ بدأت الصحافة تستعيد حريتها التي قيدت على مدار أعوام ولكن مازلنا نشهد تدني في هذا القطاع بالرغم من سعي الكثير من الصحفيين على الالتزام بمعايير وأخلاقيات الصحافة الحرة التي تنحاز للحقيقة مهما كان الثمن، فالعمل على تغطية الاحتجاجات والمعارك من الخطوط الأمامية في جبهات القتال وإيصال قصص إنسانية تستحق المتابعة جميعها تضحيات لنقل الصورة بواقعية، الصحافة ليست مجرد وظيفة إنها شغف وانحياز للقضية والرسالة التي يحملها الصحفي، ولا يسعني إلا أن نقول المجد لشهداء الصحافة وعيونها على الحقيقة أينما كانوا في العالم، ولكل من سلبت حريتهم في سبيلها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.