شعار قسم مدونات

قيس سعيد يواجه حملة شرسة والشباب يدعم الرئيس

blogs قيس سعيد

في عهد الديمقراطية وتحديدا بعد الثورة التونسية في 2011 وهروب زين العابدين بن علي من البلاد، كلما جاءنا رئيس جديد يحكم الجمهورية التونسية بعد تنظيم انتخابات عالمية وديمقراطية يشهد لها القاصي والداني إلا وأُدخل الرئيس في منظومة التحليل النفسي أو البسيكولوجي، حتى يتبينوا صحة مداركه العقلية وخبرته السياسية ومؤهلاته الدستورية، ولا يمكن أن يتركوه يعمل في أي اتجاه إلا بعد أن يحددوا اتجاهاته الأيديولوجية ومساراته الخدمية ومخططاته السياسية ليعرفوا الخطوط التي يمكن أن يتشابكوا فيه معه.

 

وتعمل الأحزاب الموافقة أو المعادية على بلورة هذه الأفكار، من خلال ما تراه ومن وجهة نظرها، فقد يعجبها هذا الرئيس فتستميت في الدفاع عنه حتى ولو كان فاسدا، وقد تبدو عليها علامات امتعاض مما يقوم به ظاهرا حتى لو كان وطنيّا مخلصا، وبالتالي هو في كلا الحالين معرّض إلى هذا النقد الفسيفسائي ولا مهرب منه، وهذا ما حدث مع السيد المنصف المرزوقي الرئيس الأول بعد الثورة، وما يحدث اليوم مع السيد قيس سعيد الرئيس الحالي.

 

كلام كثير وغامض واتهامات طالت المنصف المرزوقي حتى اتهمه البعض بالجنون، لأنه جاء ليصلح لا ليكون صالحا، ومن ثم ظهرت أصوات نشاز لها تأثير في الإعلام، حولت المشهد إلى موقع سخرية من الرئيس في حركاته وسكناته وتوجهاته رغم أن الرجل كان في قمة التواضع والإخلاص لتونس، ولم يهنأ لهم بال إلا بعد أن أطاحوا به في انتخابات 2014م أمام الباجي القايد السبسي بزعم أنه لا يصلح أن يكون رئيسا وليست لديه هيبة الرئيس ولم يفعل لتونس شيئا إبان رئاسته أو أنه ينتمي أو يتعاطف مع الإخوان المسلمين، ويتعامل مع قطر وتركيا باعتبار أن هذا الحلف يمثل الأخونة الإسلامية وعليهما علامات استفهام كبيرة.

 

أمريكا اليوم الدولة العظمى تتعامل مع قطر وتركيا في جميع المجالات وأولها العسكرية ولم تتهمهما بشيء ولا تعاديهما أو تكن لهما الخصام أو تبعدهما عن المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي العالمي أو فرضت عليهما أجندات سياسية، فهذا الهراء أهلك البلاد وجعلها تعيش موجات من العراك السياسي طويل الأمد، بينما ما ينبغي فعله اليوم هو التكاتف من أجل تونس والانضمام إلى أي كتلة تراها تونس مساعدة للوطن حتى تخرجه من أزمته الاقتصادية والاجتماعية.

 

وها هو اليوم السيد قيس سعيد يتعرض بموجب هذا البروتوكول النيابي إلى هجمة شرسة من قبل فئة من المناوئين لما يقوم به من أعمال، ويترصدون أقواله وأفعاله، ليقتنصوا هفواته، وكما يقال لكل فارس كبوة أو لكل زعيم هفوة، ويعملون على تلك النغمة لتوليد أفكار ثورية تجعل الرئيس في موقف محرج، بل همّ بعضهم إلى تهديد الرئيس بسحب الثقة عنه كالنائب في البرلمان سيف الدين مخلوف وغيره، وربما أيدت حركة النهضة هذا المسار لخلافات عميقة ظهرت بين الحركة والرئيس إبان تعيين السيد إلياس الفخفاخ رئيسا للحكومة.

 

فبعد أن بين السيد قيس سعيد في خطاب تاريخي في ولاية قبلي وكذلك في خطاب تاريخي توضيحي في الأكاديمية العسكرية أن هناك من يصطاد في الماء العكر، وأن هناك من لا يفرق بين الشرعية والمشروعية وعليه أن يقرأ جيدا حتى يفرق بينهما، فالرجل ساءه ما فعله وما يفعله نواب البرلمان التونسي من تهريج وعراك وخصام وسب وشتم ونعرات حزبية تحت قبته وهم يمثلون الشعب ويتصرفون هذا التصرف الأهوج، وبلغه امتعاض الشعب التونسي من هذه التصرفات، حتى طالب البعض بحلّ البرلمان وتغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي في ظل هذه التخبطات السياسية، فبين في خطاباته أن الشرعية تكون عند الشعب فهو المصدر الأول للتشريع لأنه الحاكم وله حق سحب الشرعية من أي نائب في البرلمان يكون غير قادر على أداء المهمة التي أوكله الشعب إياها، ومن ثم لا مشاحة في الاصطلاح كما يقال.

 

واندلعت مواجهة سياسية على إثر ذلك وثارت ثائرة نواب الشعب الذين لا يخلصون في عملهم النيابي ويعتبرون الرئيس مصدر تهديد للقمة عيشهم ومناصبهم، فتهجموا بطريقة سافرة مهددين السيد قيس سعيد بسحب الوكالة عنه، ألا يعلمون أن هناك 3 ملايين ناخب اختاروه في الانتخابات الأخيرة وأن اغلبهم كانوا من فئة الشباب لا من فئة الأحزاب، وهم يعلمون مدى تأثير هذه الفئة في تونس اليوم، ألا يعلمون أن السيد قيس سعيد رئيس منتخب وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة ينبغي احترام شخصيته لأنه رمز تونس اليوم في الداخل والخارج، وأنه رجل قانون، لا يخاف لومة لائم في تمرير كل القرارات التي تخدم تونس في المقام الأول، فلا محاباة ولا مجاملة لأحد، ولا أحد فوق القانون، والقانون لا يغيره إلا القانون، وعلى المتفوّهين أن يعلموا أن الشارع هو السلطة وليس نواب البرلمان الذين يتغيرون بين الفينة والأخرى.

 

ولذلك تحرّك الشباب ولم يرضوا بما فعله النواب، وأصدروا بيانات، وأعلنوا أنهم يؤيدون الرئيس قيس سعيد، وصدّروا تغريداتهم بهاشتاج أنا_أدعم_الرئيس، فغمر توتير والفايسبوك وكل مواقع التواصل الاجتماعي، ومع أن الرئيس قد ضمن دعم هؤلاء وقواته المسلحة فسيمضي في مشروعه الإصلاحي، الذي لا يعجب البعض وسيواجه مواجهة شرسة من قبل الذين لا يرغبون في تطويع أنفسهم على الصبر وانتظار النتائج التي لا شك ستكون مشرفة لتونس على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وهنا تبدو التجربة الديمقراطية في تونس تنضج يوما بعد يوم، وتزداد ألقا ساعة بعد ساعة، فالشعب التونسي ينشد الحرية والكرامة والعدل ولا يحب أن يعيش في التيه السياسي كما تمارسه بعض الأحزاب السياسية اليوم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.