شعار قسم مدونات

"الساعة الخامسة والعشرون".. الرواية التي تأخذنا إلى غياهب الحرب العالمية الثانية

blogs رواية الساعة الخامسة والعشرين

يأخذنا الكاتب الروماني قسطنطين جيورجيو عبر روايته الساعة الخامسة والعشرون، والتي نشرت لأول مرة سنة 1949، يأخذنا إلى غياهب الحرب العالمية الثانية، حيث تتضمن مجموعة من أحداث فترة الحرب العالمية الثانية، وقد انطلقت هذه الأحداث من رومانيا ثم هنغاريا فألمانيا وفرنسا، هناك حيث شهد العالم حربا شرسة، راح ضحيتها ملايين الأبرياء، وعبر الرواية يسرد لنا الكاتب حياة مجموعة من الأشخاص الأبرياء، والذين يختلفون في طبائعهم وسماتهم وصاروا يتشاركون المعاناة بعد أن حلت ويلات الحرب، فجردتهم من كل شيء، بما في ذلك إنسانيتهم. هكذا كان بطل الرواية موريتز؛ إنسان بسيط يعمل لدى قس في قرية فانتانا برومانيا، وقد راوده حلم الهجرة إلى أمريكا، وهو الحلم الذي راود القس في أيام شبابه، لكنهما لم يلبثا مكانهما بفعل الظروف.

 

لقد دفعته الظروف إلى التشبث بحبيبته في الوقت التي كان يستعد فيها للرحيل، لقد أنقذها من والدها الذي قتل للتو أمها، هذا القاتل سيلتحق بالجيش الألماني بعض أن يقضي بعض السنوات في السجن. وقد تمكنت ابنته من الهرب مع حبيبها موريتز خوفا على حياتها، وبذلك هرب منه حلم الهجرة إلى أمريكا، ولم يجد مفرا غير العودة لبيت القس، والذي كان قد أعد له غرفة ليسكنها، وسيسكنها رفقة حبيبته، في انتظار أن يبني مسكنا بواسطة المال الذي تلقاه من تريان ابن القس والذي يعمل كاتبا، وبالكاد بدأ في تأليف رواية الساعة الخامسة والعشرون، هكذا ابتدأت حياة موريتز، قبل أن تتحول إلى جحيم، مباشرة بعد أن أعجب دركي القرية بزوجته، فلم يجد بدا غير إرساله إلى معسكر اليهود بصفته شخصا غير مرغوب فيه، كما تنص على ذلك المراسلة التي وصلته تأهبا لاندلاع الحرب، سيذهب إلى هذا المعسكر رفقة يهودي آخر من القرية، وستتغير بفعل ذلك صفة موريتز، حيث سيتم تزوير أوراقه وسيصبح يهوديا بفعل الأوراق.

 

عبر الرواية يستكشف القارئ مجموعة من الشخصيات تختلف وتأتلف، وتجمع على المعاناة والمصير المجهول، ولعلها رواية تطرح سؤال الإنسان ومصيره الذي بدأ يطرحه المجتمع التقني

هناك في المعسكر سيكتشف معاناة أكبر مما كان يتصور، ورغم كل تدخلات القس كوروغا وابنه لإخراجه من المعسكر، إلا أن ذلك لم يفي بالغرض، ولم يجد بدا من قبول عرض أحد الأطباء اليهود، والذي سيساعده على الهرب بالاتفاق مع أحد الضباط، شريطة أن يساعده موريتز على حمل أمتعته، وبالفعل سيصلون إلى منزل أخت اليهودي بهنغاريا، وهناك سيتعاملون معه باحتقار نظرا لحالته المزرية، وبعد أن قرر البحث عن عمل، تم القبض عليه، واتهموه بأنه جاسوس روماني، وقد أرغموه على أن يعترف لهم بشيء لم يرتكبه، وتعرض لأبشع أنواع التعذيب، إلى أن تلقت هنغاريا رسالة مفادها أنه يتعين عليها إرسال هنغاريين للعمل في ألمانيا، فلم تجد هنغاريا غير إرسال المعتقلين في أراضيها لهذه الغاية حماية للجنس الهنغاري، فصار بذلك موريتز واحدا منهم.

 

في ألمانيا سيعمل في عدة أماكن، قبل أن يكتشف أحد الاطباء أنه ينتمي للعرق الألماني، وبذلك سيوظفونه في الجيش الألماني، وستتغير حياته ببطء، وسيتزوج من ممرضة بعد أن اضطرت زوجته الأولى للتوقيع على الطلاق حفاظا على ممتلكاتهما لما كان في معسكر اليهود، لكنه اعتقد فعلا أنها طلقته، وسيعمل هناك في ألمانيا قبل أن يساعد خمسة فرنسيين من الهرب، وبدوره سيهرب معهم، وسيقضي بعض الأيام في فرنسا مستمتعا بما فعله ضد النازيين، لكن سرعان ما سيتم التعامل معه كعدو رغم ذلك، وسيتم نقله إلى عدة معسكرات، وسيقاسي الويلات في المعسكرات الروسية والأمريكية، وفي أحدهم التقى بتريان ابن القس وزوجته، واللذَين لم يفلتا من هذا العذاب، رغم كل محاولاتهما للإفلات من ذلك، لأن زوجة تريان ابن كوروغا يهودية، ورغم كل ما فعلته لكي تتستر على انتمائها، إلا أن ذلك لم يجدي نفعا، وقد حاولت أن تكتب كل ممتلكاتها لزوجها خوفا من أن تصادر منها، لكنهما صارا سجيني حرب دون تهمة تذكر.

 

عبر المعتقلات سيتعرض تريان وموريتز لأبشع أنواع العذاب وسيتم تنقيلهم عبر قطارات مزدحمة بالسجناء إلى عدة معتقلات، قبل أن يلتقوا بالقس، والذي سيموت بعد ذلك، أما ابنه تريان فسينقلونه إلى مستشفى المجانين بعد إضرابه عن الطعام، وبعد أن أعادوه إلى المعتقل سيطلقون عليه النار بعد أن تجاوز الحدود المسموح بها للمعتقلين، أما موريتز فتحمل هذه القساوة قبل أن يطلق سراحه، لكنه سراح لم يتجاوز ثمانية عشرة ساعة، سيرى فيها أسرته وأبنائه الاثنين والثالث الذي ولدته زوجته جراء تعرضها للاغتصاب من طرف الجنود بعد أن هربت من القرية، واكتشف أنها لم تطلقه كما كان يعتقد، بل حماية للممتلكات، وقد اضطرت للهرب بعد أن أنقذت القس بمساعدة والدة موريتز، هذه الأخيرة سيتم إعدامها لهذا السبب، وسيجد ابنيه قد كبرا، لأنه قضى ثلاثة عشر عاما بين المعتقلات، وبالكاد ابتدأ في بناء أحلام جديدة مع زوجته وأبنائه، حتى تم وضعه برفقة أسرته في أحد المعتقلات، وهناك لم يجد السجناء غير التطوع مع المعسكر الغربي طلبا للحرية، فلم تجد أسرة موريتز غير طلب هذا التطوع، ولحسن الحظ، وجدوا هناك زوجة تريان ابن القس بعد أن حالفها الحظ للعمل هناك، وقد ساعدتهما بكل الممكنات، كما أنها قامت بإكمال الرواية التي ابتدأها زوجها تريان.

 

هكذا جالت بنا رواية الساعة الخامسة والعشرون في غياهيب الحرب العالمية الثانية، وهي تحمل بين طياتها مجموعة من الأسئلة الجذرية لمصير الإنسان المأساوي، وعبر الرواية يستكشف القارئ مجموعة من الشخصيات تختلف وتأتلف، وتجمع على المعاناة والمصير المجهول، ولعلها رواية تطرح سؤال الإنسان ومصيره الذي بدأ يطرحه المجتمع التقني، الرواية هي وثائقي يسرد تفاصيل مهمة عرفها العالم خلال الحرب العالمية الثانية، وهي تفاصيل اضطر فيها الإنسان أن يستسلم أمام جبروت التقنية، وأن ينسلخ بذلك من إنسانيته.

 

يناقش الكاتب في بداية الرواية موضوع الهجرة إلى أمريكا والتي ظلت بمثابة حلم يراود العديد من الشباب، وكتب يقول على لسان القس: "إنه ليس الأسف للبقاء بل إنه الحنين إلى شيء نعتقد في صحته في خيالنا، شيء لن نمتلكه أبدا. وإذا بلغناه، فإننا سرعان ما نجد أنه لم يكن هو موضوع أحلامنا. لعل أمريكا لم تكن هدفي المنشود. لعلها كانت حجة اكتئابي. إن أمريكا ليست إلا اختراعا لفقه حنيننا. وقد يكون عدم رؤيتها أقل خيبة لآمالنا مما لو شاهدناها حقيقة". هكذا تحدث القس عن أمريكا في اللحظة التي كان فيها خادمه موريتز يستعد للهجرة، لكن هذه الهجرة لم تكتمل، وبدل الذهاب إلى أمريكا ستأتي أمريكا إليهم خلال الحرب، وستغير مفهوم الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية.

 

تحدث جورج قسطنطين عن التغييرات الجذرية التي لحقت بالإنسان خلال العصر التقني، وعرّفه على لسان تريان ابن القس: "إن العبد التقني، هو الخادم الذي يقدم لنا يوميا ألف خدمة، لم نعد نستطيع الاستغناء عنه. إنه يدفع سيارتنا، ويعطينا النور، ويصب علينا الماء لنغتسل، ويحمل لنا أخبارنا ورسائلنا، ويروي لنا قصصا عندما ندير زر المذياع. إنه يخطط لنا الطرق، ويزيل الجبال من اماكنها". هكذا صار العبد التقني حقيقة لا يمكن نكرانها، فصار العبد البشري زميلا للعبد التقني، وقد استطاع الكاتب أن يضع مقارنة بين العبد البشري الذي كان يكتسب قيمته بعضلاته وإمكانياته العملية، مما يختلف كثيرا عن العبد التقني الذي صار أكثر طواعية وأقل ثمنا من العبد البشري حتى حل محله بشكل تدريجي.

 

تحدث قسطنطين عما يسمى بالبروليتارية التقنية، والتي ستثور على خلاف البروليتارية البشرية، بعد أن صار العبيد التقنيين أكثرية في المجتمع الحاضر، والذين صاروا يتصرفون وفق قوانين خاصة من قبيل الآلية والمماثلة وإغفال الذات. وبات الإنسان مرغما على معرفة قوانين وعادات العبيد التقنيين حتى يتمكن من استخدامهم والإفادة منهم. وكتب قسطنطين يقول على لسان تريان: "إننا نتعلم القوانين وأساليب المخاطبة، التي تمكننا من تسيير خدمنا، والإفادة منهم فائدة أكبر. وهكذا، فإننا سنتخلى يوما عن صفاتنا الإنسانية وقوانيننا الخاصة تدريجيا. أي سنتخلى عن إنسانيتنا، ونعتنق أسلوب الحياة المطبق على عبيدنا التقنيين، وستكون دلالة هذا التخلي عن الإنسانية، احتقار الكائن البشري. فالرجل العصري، يعرف أنه هو وزملاؤه من بني الإنسان، ليسوا أكثر من عناصر يمكن استبدالها. والمجتمع الحديث الذي يتضمن إنسانا واحدا مقابل كل ثلاثين عبدا تقنيا، ينبغي أن يُنظم وأن يعمل حسب النظم التقنية، لأنه مجتمع صنع على احتياجات ميكانيكية، وليست إنسانية. وهنا تبدأ الفاجعة".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.