على صعيد الأغراض لا زلنا نرى الغزل والرثاء والقريض والفخر والوجدان والإخوانيات والثورة والحماسة والحق والحياة وغيرها من الأغراض التي مضت عليها قرون وهي تستعاد مع تبدل الأساليب في الكتابة عنها فكذلك سيبقى العنود والتفعيلة والنثر جنبا إلى جنب |
أمّا في الفنون يصعب التكهن بعملية الصمود والزوال ولكن طبيعة العصر الذي يحتوي هذا النوع من الفن وسيطرة الذائقة الابداعية على شكل دون الآخر ربما لفترة معينة ومن بعد ذلك قد ينتقل الذوق العام إلى شكل جديد أو العودة مرة أخرى إلى الخلف. لهذا اتصور أن الحذر والقلق من عملية الصمود والزوال سواء بالنسبة للقصيدة العمودية أو غيرها جعلتنا نحوم حول ذاتنا ونخاف من التجربة أو المغامرة ومادة الشعر والفنون عامة مبنية على المغامرة والتجريب مع الاحتفاظ بالأشكال التي اتفق عليها مسبقا.
لذا أرى أن التكهن صعب جدا، وإن كنت اعتقد أن تنوع الإشكال وتجانسها ووجودها مع أمل في وجود أشكال جديدة سوف يكون في خدمة الإبداع بشكل عام أما البقاء على شكل وحيد يتيم سوف يؤدي إلى تقييد المبدع بصورة مزعجة، ولا أحد من المبدعين الحقيقيين يرغب في أن يكون أحد الفنون سيدأ دون الآخر، لأن هذا التفرد القسري سيؤدي بالعملية الإبداعية إلى اشكالات نحن في غنى عنها أن في الوقت الراهن مع وجود وسائل إعلامية متعددة ومتطورة بحاجة إلى تطوير حركة الإبداع وعلى رأسها الشعر لأنه الأقرب للشارع من الفنون الأخرى، ومع تنوعه كفن من حيث الشكل أو المضمون سوف يمنحه البقاء والاستمرار. وتؤكد الكواري على تعدد الأصوات في المشهد الشعري والثقافي بشكل عام بقولها: كلما أطفئت الأصوات واختفت أصبح المشهد ناقصا وبحاجة إلى أصوات أخرى نتخيلها فلا نستطيع الفصل بين ما نتخيله وبين ما هو موجود بالفعل.
هذه هي طبيعة الكتابة، مزيج من هذا وذاك. متسائلة لنا أن نفصل بين الفلسفة والشعر، بين الموسيقى والشعر، بين صوت الطبيعة والشعر، بين الخرافة والأسطورة والمتخيل وبين هذا الكائن المحلق في سمائنا ونقول قف حيث أنت، نرفضه ونطرده من مملكتنا لأنه تمرد قليلا على لون من ألوان الكتابة الذي هو بالتالي شكل من الأشكال، اختار له شكله الخاص ولونه الخاص. نطرده من مملكة الكتابة ونرفضه ونطلب منه أن يبحث له عن اسم أو صوت أو هيئة ويأتي. فإذا كان الشعر هذا الطائر المتمرد على الشعر المسمى مبدئيا شعرا. وفي المقابل، لا يمكن أن يلغي شكل معين شكلا آخر خاصة في الشعر. فكما أنه على صعيد الموضوع لا يلغي موضوع ما موضوعا آخر فما زالت أغراض الشعر نفسها تعود وتتطور وتتوسع لكنها لا تمحي ولا تزول فكذلك الشكل.
فعلى صعيد الأغراض لا زلنا نرى الغزل والرثاء والقريض والفخر والوجدان والإخوانيات والثورة والحماسة والحق والحياة وغيرها من الأغراض التي مضت عليها قرون وهي تستعاد مع تبدل الأساليب في الكتابة عنها فكذلك سيبقى العنود والتفعيلة والنثر جنبا إلى جنب. وفي الحقيقة هناك اعتقاد علينا تصحيحه وهو اعتقاد الكثيرين أن النثر هو ابن عصرنا فقط لكن الحقيقة أن قدم النثر في القصيدة هو بنفس عمر الوزن تماما كما أن التفعيلة أو ما يسمى بالشعر الحر ليس صحيحا أنه بدأ فقط مع نازك والسياب وصلاح عبدالصبور بل قد عثر الباحثون على جذور للتفعيلة في شعر البند في القرن الخامس والسادس الهجري. وعثر الباحثون على النثر في ما يعرف بالعصر الجاهلي. في الختام، سيبقى هذا الجدل قائما بين أنصار كلا القصيدتين، وكلّ حزب بما لديهم فرحون.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.