شعار قسم مدونات

فيروس كورونا خطير.. لكنه ليس الأخطر.. فلم الهلع؟!

blogs كورونا

قرابة شهر مرّ على موجة الهلع والخوف التي عمّت العالم بسبب انتشار فيروس كورونا، وبات جميع الناس علماء وباحثون وخبراء بكل ما يتعلق بالفيروس، وحفظوا عن ظهر قلب من وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والأحاديث المتبادلة بينهم عوارض الفيروس ومخاطره وطرق الوقاية منه وأعداد المصابين به والدول المتصدرة وأعداد الذين تطلّب وضعهم في العناية المركزة والذين توفاهم الله، ومعلومات أخرى كثيرة بعضها صحيح ومعظمها لمتّ للصحة بصلة.

  

معلومات وأرقام وإحصائيات ودراسات باتت الوجبة الرئيسية في وسائل الإعلام، دراسة تؤكد أن الفيروس يمكن أن ينتقل بالهواء، دراسة أخرى تنفي، طبيب يشير إلى إمكانية إصابة الأطفال بالفيروس، طبيب آخر يشكك، إحصائية تتحدث عن بقاء الفيروس لساعات على الأسطح الصلبة، إحصائية مقابلة تتحدث عن دقائق. لكن ما هو مؤكد ولا شك حوله هو أنه لم يتم حتى الآن اكتشاف دواء للفيروس، والغالبية الساحقة من المصابين به لا تظهر عليهم أعراض، كما أن نسبة ضئيلة من الذين ظهرت عليهم الأعراض يحتاجون لعناية مركّزة، ونسبة أقلّ منهم يتسبب الفيروس بوفاتهم، وهي نسبة تقل كثيراً عن الوفيات الناتجة عن الإصابة بالإنفلونزا العادية التي تصيب العالم كل عام.

إعلان

 

فيروس كورونا تحدّ للبشرية لكنه ليس التحدي الأول ولا الأخطر، لكنّه قد يكون الوحيد في العصر الحديث الذي سُلّطت عليه الأضواء بهذا الشكل وبات الشغل الشاغل للعالم

لنعيد ترتيب المعلومات المبنية على مسلّمات وأرقام متفق عليها. نحن نتحدث عن فيروس لا علاج له، لا أعراض لمعظم المصابين به، تنتشر عدواه بشكل سريع جداً، تتطلب نسبة ضئيلة من المصابين عناية طبية مركزة، ونسبة الوفيات بسببه تقل عن الكثير من الفيروسات التي مرّت بالعالم والتي سمعنا عن بعضها ولم نسمع عن بعضها الآخر، ربما لأنها لم تصب العالم المتحضر وانحصرت في مناطق فقيرة. هنا يصبح لزاماً التساؤل: لماذا كل هذا الهلع، ولماذا أغلق العالم على نفسه وبات الناس يسجنون أنفسهم في منازلهم رعباً من فيروس نسبة خطورته تكاد لا تذكر.

 

لماذا فرّطت دول العالم باقتصاداتها وأقفلت مطاراتها وشلّت حركة مجتمعاتها، ولماذا تحوّلت قنوات التلفزة وشاشات الهواتف الذكية إلى خرائط حول البقع الجغرافية التي انتشر فيها الفيروس، وأرقام متناثرة حول أعداد المصابين وأعداد الوفيات. لماذا لا يتمّ التركيز على أعداد المتعافين، وتسليط الضوء على الذين مرّ عليهم بالفيروس دون أن يشعروا به. باختصار: لماذا صار فيروس كورونا محور اهتمام الكرة الأرضية، رغم أن الأضرار التي تنتج عنه لا تقلّ عن أمراض وأوبئة وفيروسات أخرى أصابت الملايين حول العالم، وتسببت بوفاة عشرات الآلاف دون ضجة وهلع وارتباك كالذي نشهده اليوم؟!. لا أملك جواباً.

 

ما سبق ليس تشكيكاً بخطورة الفيروس، ولا إيماناً بفكرة المؤامرة، كما أنها ليست دعوة كي يتخلّى الناس عن إجراءاتهم الوقائية وحجرهم المنزلي والعودة للتصرف بشكل طبيعي، ولا دعوة كي تعيد الدول فتح مطاراتها واختلاط شعوبها، لكنها ببساطة دعوة إلى أنه "لا داعي للهلع" خاصة أننا نحن البشر لا نملك من أمرنا شيئاً، بانتظار التوصل لعلاج له. لذلك لا يملك الناس أكثر من الهدوء والرويّة والتقيّد بما يردده أطباء الأمراض الوبائية من ضرورة غسل اليدين باستمرار، والحرص على التباعد الاجتماعي، وعدم الخروج من المنزل إلا للضرورة، خاصة أن انتشار الفيروس قد يصل إلينا، وقد يصيب كثيرين من حولنا وأحبائنا، لذلك لا يجب أن تنعكس حالة الهلع التي يعاني منها البعض إلى مشكلة اجتماعية ونفسية للمُصاب تُضاف إلى مشكلته الصحية.

إعلان

 

فيروس كورونا تحدّ للبشرية لكنه ليس التحدي الأول ولا الأخطر، لكنّه قد يكون الوحيد في العصر الحديث الذي سُلّطت عليه الأضواء بهذا الشكل وبات الشغل الشاغل للعالم. ساهم في ذلك انفلاش وسائل الإعلام وسهولة تداول المعلومات ونهشه في شعوب الدول الكبرى. ففيروسات أخطر مرّت على البشرية خلال السنوات الماضية لم يلقِ أحد لها بالاً، ربما لأنها أصابت دولاً فقيرة مهمشة، فلم تجد قناة تلفزيونية مساحة ضمن برامجها لنقل ما يحدث فيها، ولم يتكبد طبيب عناء الحديث عن سبل الوقاية طالما حديثه لن يكون مدفوع الأجر.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان