رفقًا بالرجال يا زوجتي، قد أتألم كثيرًا لبعض العبارات والكلمات والمواقف كما تتألمين. نعم، والله، فلم اندهشتِ، وفغرتِ فاهكِ، ومالت شفاهكِ؟ ألا تعتقدين أني أتألم؟ أو يلزم أن أبكي مع كل ألم يعتريني؟ أو يلزم أن أصرخ طلبًا للعون والمساعدة في كل موقف أمر به؟ أو أصرح لك باقتراضي من فلان وعلان لكوني عاجزًا عن تلبية احتياجاتك واحتياجات البيت في هذه الأزمة الكورونية؟
لا تعتقد كثير من النساء ذلك، فالرجال بالنسبة لبعضهن مخلوقات باردة جامدة سطحية يابسة العقل متحجرة المشاعر. نعم، لا تتفاجئي يا زوجتي العزيزة، يتألم الرجال كم تتألم النساء، لأنهم بشر كالبشر، يحزنون ويفرحون، يبكون ويضحكون، يترددون ويحزمون، يكرهون ويحبون، بل ويعشقون ويتولهون ويرغبون. قد تبدو -كما لا يخفى على أحد- أن طرق التعبير مختلفة، ووسائل التصريح متباينة، ومعايير التعامل تبدو متصادمة ومفزعة في بعض الأحيان، لكن أصل المشاعر باق، وجذر العواطف عميق مستقر.
خلص عديد من الباحثين إلى أن الاختلافات العاطفية الملاحظة بين الرجال والنساء تنبع في المقام الأول من أدوار الجنسين الاجتماعية، بدلاً من علم الأحياء. فليست القضية في حجم الرأس، ولا مستويات الهرمونات، ولا الخلايا العصبية، ولا شقي الدماغ الأيمن والأيسر، فقط، بل تلقيت هذه الفكرة أن المرأة عاطفية أكثر من الرجل بسبب البيئة والتراكمية القيمية، والتي يمكن أن تزيد في العالم العربي حين يربى الطفل الذكر على أن البكاء عيب، بل هو من شيم النساء، فمتى يصرح بألمه؟ أو يلمح إلى عجزه؟ فبين الجبن وسمات الأنوثة يقبع الكثيرون يا عزيزتي.
أشعر يا عزيزتي كما تشعرين، وأخاف كما تخافين، وأقلق كما تقلقين، لكنها الصورة النمطية التي ينبغي أن أرتدي لباسها وأتقمص شخصيتها أنا البطل الذي سأنقذ ملكتي ومملكتي، بل أنا الأسد في حمايته لعرينه |
يا عزيزتي، الرجل إنسان، قد ينجرح لما تعتقدين أنه لا ينجرح بسببه، ففي عزل كورونا يشعر الرجل بالعجز وقلة الحيلة وتراكم المسؤوليات والخوف من التساهل في حماية مملكته الصغيرة بملكتها ورعاياها من الأطفال والإخوة والأخوات. عليّ مسؤوليات ليست عليك يا عزيزتي، ومخاوفي ليست كمخاوفك. أعلم أنك خائفة قلقة متوترة مضغوطة من كورونا وآثاره، وكذلك بكثرة العمل داخل البيت وانعدام الخروج وضيق تربية الأطفال وتراكم الطلبات. لكني خائف على الإيجار والكهرباء والماء والغاز وفواتير التلفونات، وأقساط المدارس والسحب الشهري ومحاولة تعويض الصغار.
لا أقول، ولا يقول عاقل، أن مخاوفي أشد، أو توتري أكبر، أو ضغوطي تتفوق، لكنها المهام التي توزعت على البشر منذ أمد بعيد، وإن ترافقت بعض النساء مع الرجال في هذه المهام في هذا العصر، لكن تبقى المسؤولية لدوام عماد هذا البيت هو جهد الرجل وبذله وعطاؤه. لعلي أنام كثيرًا الآن هروبًا، نعم أهرب يا عزيزتي، لئلا أرفض لطفلي الصغير طلبًا لا أستطيع تلبيته له. قد أعبث بالهاتف، ليس تعلقًا بأخريات، ولا إهمالًا للمسؤوليات ، ولكن على ما يبدو تجنب مواجهة واقع العجز والحيرة المسيطر على العقول والقلوب. الجميع يطالبني بالانتفاع بهذه المرحلة، وعقلي مغلق، وقلبي مضطرب، ونفسي ضيقة، والخوف يتملكني والقلق يرعبني، فأشعر بمزيد خيبة ألم وعجز.
أشعر يا عزيزتي كما تشعرين، وأخاف كما تخافين، وأقلق كما تقلقين، لكنها الصورة النمطية التي ينبغي أن أرتدي لباسها وأتقمص شخصيتها أنا البطل الذي سأنقذ ملكتي ومملكتي، بل أنا الأسد في حمايته لعرينه. ولست بطلًا ولا أسدًا، بل خائف مذعور قلق متوتر، لكنه الستر من الله، والتجمل ومحاولة إظهار الجلد والمثابرة في وقت الجزع والخوف. العالم بكل طبقاته بات يعرف أن الرجال والنساء من مختلف الثقافات يقبلون الصورة النمطية الصارخة بأن النساء أكثر عاطفية من الرجال، هذه الصورة النمطية التي تبنتها بعض القيم، والتربية المنزلية والنشأة والحاضنات التربوية من المدارس والمراكز والمعاهد والجامعات فضلًا عن الإعلام وما يمكن استخدامه كأداة توجيه وتغيير، فكان الانعكاس الحقيقي على الواقع ما نراه من دموع النساء، وقسوة وجفاء الرجال، وكأن الرجل الذي يشعر ويحس أصبح نوعًا من ساركوسكس ذاك التمساح العملاق المنقرض، وأصبح بعدها الرجل كائنًا بلا مشاعر، بل أناني وعدائي ولا مبالي.
والدراسات تثبت على وجه التحديد والدقة، أن النساء يعبرن عن مشاعر منفصلة مثل السعادة والخوف والاشمئزاز والحزن أكثر من الرجال. ولعل كلمة (يعبرن) هي أكثر دقة من كلمة (يشعرن)، فالمرأة والرجل كلاهما يشعران ويختبران ويتعاملان مع نفس المشاعر تقريبًا، مع أشياء قليلة بل نادرة ينفرد بها كل شخص منهما، فالجميع يشعر، والجميع يعبر، ولكن بطرق مختلفة، ووسائل متنوعة، وهذا من سنن الله تعالى في خلقه. فلعل أكبر رسالة أريد أن أرسلها لك يا زوجتي، فقط افهميني.
هي رسالة للفهم، ورفع رايته، والتلويح بها في وجه كل دعاة التفريق والتشويه والتشويش على هذه العلاقة الجميلة والميثاق الغليظ كما سماه الله تعالى في القرآن الكريم. افهميني وأفهمك، اعرفيني وأعرفك، وأعني بالمعرفة والفهم شيئًا أعمق من مجرد الأكل والشرب معًا، بيننا الصلة التي تحفز التواصل، وبيننا التواصل الذي يدعم الصلة. الفهم يا زوجتي سلاح أكيد ومجرب وفتاك لكل فيروسات التخريب والتشويش على الزواج في أوقات كورونا أو غيرها.
إذا فهمنا أحسنّا الظن، وإذا فهمنا خففنا من ردات أفعالنا، وإذا فهمنا عذرنا، وإذا فهمنا ارتحنا وأرحنا،
وإذا فهمنا تعاونّا، وإذا فهمنا تبادلنا بعض الأدوار في بعض الأوقات، وإذا فهمنا تعلمنا كيف نتعاتب ونتلاوم ونتصالح. أنا يا زوجتي لست كائنًا منقرضًا من الماضي السحيق، أو مريخيًا من كواكب وعوالم أخرى، أنا هنا وأمامك وخلفك ومعك وبين أسرتنا، أعرفك وأعرف ألمك وأفهم متاعبك، فقط رفقًا بالرجال.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.