شهدنا في بداية جائحة كورونا كيف مارس الكثير العنصرية على أصحاب الأصول الآسيوية. ومع انتشار الفايروس ليصبح عالمياً، وعدم تفرقته بين علية القوم وبين بسطاء القوم، خمدت هذه الفورة قليلاً لأننا أصبحنا كما يقول المثل الشعبي "كلنا بالهوا سوا". لكن رغم ذلك ورغم هذا الموت المحدق بنا والذي يصطادنا جميعاً بغض النظر عن أصولنا، وألواننا، واعتباراتنا الاجتماعية لم تنقطع بشكل كامل، لسبب بسيط هو كون العنصرية ورم خبيث ينتشر بالنفس ويعمها. وهذا ما أكّده لي ودفعني لكتابة هذا المقال صوت عنصري قبيح صدر من الكويت، يطالب بإلقاء العاملين والوافدين في الصحراء، ليواجهوا مصيرهم بدون إقامة أي اعتبار لكيانهم الإنساني.
أعتقد أن أغلب الناس، يقر في أذهانها الظن بفوقية وأفضلية عرقها، وجذورها، ومكان نشأتها على الآخرين لدرجة التعصب والتفاخر الأعمى. رغم الاعتراف بشكل ظاهري أنَّ عمل الإنسان ومكتسباته، ودينياً تقواه هو ما يفضّله ويقدّمه على الآخرين، من واقع تجربتي.. إننا كلّنا مصابون بهذا المرض بدرجات متفاوتة، حتَّى ولو أظهرنا العكس، لكن لا نتبيّنه إلا عندما نختلي بأنفسنا ونغوص في أعماقها، أنا شخصياً كان عندي شيء من ذلك الفهم الخاطئ والملوث، رغم تربيتي الدينية في الصغر، ورغم أن تصرفاتي ظاهرياً لم تكن تشي بذلك. ولم أتمكن من التخلص من قبضة هذا الفهم الملوث إلا بعدما سافرت لعدة بلدان، وتعلّمت عدة لغات جديدة، واطلعت على ثقافات وحضارات مختلفة، وكوّنت صداقات مع أناس من مختلف الأعراق والبلدان، وبمختلف الطبائع والآراء.
لاختلاف والتنوع البشري في الميول والأفكار والأشكال، من أهم المحركات الفاعلة التي تدفع بعجلة الحياة البشرية على هذا الكوكب إلى الأمام. وهذا التفاوت بين مواقع البَشر اجتماعياً هو الذي بنى الحضارة |
وكنت بحق بيني وبين نفسي لا أستطيع أن أكبح ما ينتابني من شعور الإعجاب بعقلية فلان الغير عربي، وشخصية فلانة الغير سورية، وبجمال أميرة غير دمشقية (وكأنَّ الجمال قد خُلق للدمشقيات فقط)، وكنت أدهش بأنّ هناك أناس حقاً عقلاء وجميلون، وأفضل منّا رغم أنهم لا يشبهوننا أرضاً ولا وطناً ولا عرقاً ولا لوناً وفي كثير من الأحيان لا يشبهوننا في الدين حتى. كنت أضطر أن أعترف في أعماقي بأفضلية الآخرين التي اكتسبوها بجهودهم وتقواهم، ومع الوقت تحولت مرارة الاعتراف إلى حلاوة تتحسسها النفس حين أضع الناس في منازلهم على قدر أقدارهم وأعترف بأفضليتهم، ولا أشعر أني أبخس من قدر نفسي، بل على العكس أرفع من قدرها، وأمنحها فرصة الاستفادة من التنوع والاختلاف لترقى في تعاطيها مع الحياة بشتى نواحيها.
أعتقد أن أفضل علاج للتخلص من العنصرية، هو ليس الوعظ الديني والعلمي في المجالس والمحاضرات.. لأن أبشع سلوكيات العنصرية، وأكثر أشكالها قذارة كانت غالباً ما تأتي باسم الدين والطائفة، ومن فلاسفة ومفكرين كبار، سواء في عالمنا العربي والإسلامي أو الغربي، والأمثلة لو أردنا استحضارها كثيرة جداً. لذلك أظن أن العلاج الأنجح يكون بالسفر والاختلاط والتعامل مع مختلف الأجناس والأعراق، ومحاولة لمس الجوانب الإنسانية فيهم التي تجمع بيننا، والتعرّف عليهم لأن أهم أسباب السلوك العنصري هو الجهل وعدم معرفة الآخر، والإنسان بطبعه عدو ما يجهل.
الاختلاف، هو الذي يوسّع مدارك الإنسان ليتمكن من إضافة شيء جديد للإنسانية وترك أثر في كافة المجالات على حد سواء. وأي مفكر أو شاعر أو عالم أو فنان ترك وراءه إرث ثقافي، معرفي، فني، أيّا كان وفي نفسه لوثة عنصرية أعتقد أنه احتال علينا، الاختلاف شيء رائع، يذهلني، يجعلني أرى ما لم أستطع أن أراه في أخي الذي يعكسني غالباً كالمرآة طبعاً وشكلاً ولوناً وميولاً. الاختلاف والتنوع البشري في الميول والأفكار والأشكال، من أهم المحركات الفاعلة التي تدفع بعجلة الحياة البشرية على هذا الكوكب إلى الأمام. وهذا التفاوت بين مواقع البَشر اجتماعياً هو الذي بنى الحضارة وإلا إن كنّا جميعاً بمنزلة الأمير فلمَن سندع الحمير؟! كما يقول المثل الشعبي.
الاختلاف يفتح آفاق جديدة أمامنا للمعرفة، للفن، للتطوير الذات، لأخذ الأفضل من كل شيء لأجل الاستمرار في رحلة البحث عن الكمال، الاختلاف سكين في يدينا ندفع بها الضر عن أنفسنا أو نغرسها في لحمنا بأنفسنا. الخيار متروك لنا، هذا هو اختبار التنوع والاختلاف البشري الذي فشل به الإنسان على مرِّ الدهر في أغلب الأحيان، وحوّله إلى خلاف نشب عنه حروب، ومآسي، وجرائم لا إنسانية لا يمكن لأي أحد صحيح النفس إلا أن يتبرأ منها ومن مرتكبيها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.