شعار قسم مدونات

مشاعرنا حبيسة الخزانة..!

blogs - امرأة حرة

"لا شيء يُعلّمُ الإنسان أكثر من الصدمات واهتزاز المشاعر"

ول ديورانت

  

لأننا تعلمنا الحفاظ على أفكارنا تلك التي تتعلق فيما نشعر أو نخاف حتى تشكلت لدينا خزانة خاصة تكبر معنا كلما تقدم بنا العمر، وكلما أزدادت التجارب التي نخوضها على كافة الأصعدة تشكلت رفوف جديدة بمشاعر جديدة تحمل اسم وحدث وعنوان يصف ذلك الشعور، لنتفق إننا جميعًا كبشر في حالة بحث دائم عن جديد كي نعيشهُ، نبحث عن رغباتنا ونركض خلفها حتى تتشكل لدينا مشاعر نقتات عليها الأيام المقبلة ونصنع تجارب عمرنا القادم.

 

لذا لابد أن تتعلم ألا تبقي خزانتك فارغة، ذلك الخطر الذي ينصحوك أن لا تجربهُ قد يكون مرعب بالنسبة لغيرك، وشديد المتعة والإثارة بالنسبة لك، لا تتلقى تعليمات جاهزة عن تجارب تمنعك من تثبيت رفوف جديدة في خزانة مشاعرك، تلك الصفوف التي تثبتها فوق بعضها بعد مرور السنوات، سوف تذكرك بأنك عشت، جربت، حاربت، هُزمت، وانهزمت، الأهم أن لا تبقى عالقًا في مرحلة ما مهما كان الثمن.

 

الخوف من التجربة

الحياة مراحل في آخر الأمر هي ذكرياتنا التي نحتاج المرور عليها لا الوقوف عندها، أحذر من الوقوف، لا محال هو سوف يحبسك في وَهم لا خلاص منه، وتذكر ألا تبقي خزاناتك فارغة أنت بحاجة دائمًا إلى التجارب لتأخذ الحكمة من الفشل وتتمسك بالأمل، والخذلان يجبرك في البحث عن السعادة، والاندفاع نحو بعض الأحداث دون عقل أو منطق، الأمان الذي يمنحهُ الصف الأول والرف الأول قد يخلو من التجارب، ويجعل حياتك بأسلوب محدود قد توارثهُ البشر عبر الأزمان للبقاء على مساحة أمان فيها من الرتابة ما يكفي لتكوين عشرات الأيام التي تكرر خلالها المشاعر ذاتها حتى يصبح البؤس، واليأس والملل صفات تلازمك!

 

لكي نعيش على نحو أفضل نحن بحاجة إلى مشاعر كثيرة تستوطن الخِزانة بعضها يكون بمقدورنا أن نسردها نشعر معها بالانتماء والحب والرغبة في المرور من خلالها، لذا نحرص على استذكارها دائمًا عند كل مناسبة وحوار يسمح بذلك، حتى صار بعضها مصدر قوة بالنسبة لنا إن حاولنا استحضارهُ في لحظاتِ معينة سوف نتسلح بالهدوء والثقة اللازمة لتجاوز واقع سيء نعيشهُ الآن هو بدورهُ سيتحول لشعور جديد في الخزانة مستقبلًا، بينما هنالك شعور نتوجس كثيرًا من استحضاره كلما مرت عليهِ سنوات نتركهُ دون العودة إليه والحديث عنهُ. كأنه أصبح شعورًا غريب عنا وكأننا لم نكن الجزء الأهم فيه، وإلا ما كان موجودًا في هذه الخزانة الخاصة بنا.

 

اليوم لا قيمة للمال لا قيمة لكل تلك الأشياء سوى ضبط النفس والتسلح بمشاعر لا تحملك صوب اكتئاب يجعل الأمور أسوء
تجاوز الخوف

بذلك نكون قد شيدنا مرجعًا للمشاعر غير المتناهية حاضرة لكل جديد سوف نعيشهُ حتى يتصدر الرف العلوي معلنًا سيطرتهُ التامة، وما أن يمر الوقت حتى تعلوهُ مشاعر جديد برفوف جديدة أكثر أتساعًا وقدرة على البقاء معنا لوقت أطول، في العادة نحن نمر فوق كومة من المشاعر أثناء مراحل الطفولة والمراهقة وأول الشباب، تتكدس مشاعرنا وتتشكل رؤيتنا للقادم من خلال ما عشناه هذهِ الفترة، لكن يختلف الأمر عندما نتجاوز المصاعب ونتعلم كيف نتسلح بالصبر والحكمة والهدوء وسرعة البديهة.

 

تصبح مشاعرنا ذات سطوة وهيمنة، وتخضع لعدة اعتبارات لكي تبقى أطول وقت ممكن في رف منفرد يمجدها وحدها، كالعثور على وظيفة الأحلام، الزواج بالشريك المنشود، الفوز بمبلغ من المال ينقل شخص بسيط وعادي إلى شخص غني، نيل شُهرة غير متوقعة، شعور الاهتمام والتشجيع من قبل الآخرين على نحو استثنائي، وغير ذلك الكثير.

  

الاحتفاء بالشعور الأهم

المشاعر ذات تأثير كبير كما ذكرت في الأعلى نحاول الحفاظ عليها، لكن لا يستمر الأمر طويلًا، وذلك الرف سوف يهجر تمامًا أو قد يخضع للمشاركة مع مشاعر أخرى مختلفة عنهُ، يعيش خلالها المرء في صراع أيهما أفضل وأبقى، كيف يمكنني الحفاظ على الجيد وتجاوز السيء، أنا ساهمت بوضع ذلك الرف أعلى خزانتي بكل المشاعر التي يحملها، إن تجاوزتهُ سوف أخسر شعور لطالما حلمت بهِ، الحلم المحقق والطموح المنتظر والغاية المبتغاة، لكن هنا هو الاختبار أن تنتقل من شعور إلى أخر تجهله دون خوف تتخلى عن أسباب الوقوف وتقرر المضي لاكتشاف شعور جديد.

  

ختامًا أود أن أشير إلى مشاعرنا التي نخوضها في الأوضاع الحالية بعد أن تم عزلنا مُجبرين خوفًا من جائحة خطيرة تجوب العالم شرقًا وغربًا لم تستثني بقعة جغرافية من الأرض، بعد مضيها بسلام وإن طال الوقت سيخرج كلًا منا بمشاعر جديدة بعضها سيء، حزين، ومحبط، والآخر جيد وذا قيمة، لكن الأهم أن نكف عن ذلك الجنون الذي يجعلنا نتجرد من المشاعر ونغدو ماديات تجوب الأرض لا تأبه بما يحصل وكأنها قادرة على فرض نفوذها وسيطرتها وفق قواعد وقوانين خالية من الإنسانية مجردة من المشاعر.

  

اليوم لا قيمة للمال لا قيمة لكل تلك الأشياء سوى ضبط النفس والتسلح بمشاعر لا تحملك صوب اكتئاب يجعل الأمور أسوء، أستذكر وتذكر أفضل المشاعر التي عشتها حاول أن تحافظ على قابليتك في التأقلم والتكيف مع الواقع مهما كان سيء، سوف يغدو محض حدث قابل للسرد كتجربة مهمة مررنا بها جميعًا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.