بعد توقف الحياة في معظم مجالاتها استجابة للواقع الذي فرضه فايروس كورونا ذلك الضيف الثقيل، كان التعليم من أقل المجالات الحيوية توقفا؛ حيث هرعت جميع المؤسسات التعليمية إلى التعليم الإلكتروني ومنصاته أو التعلم عن بعد من أجل أن تبقى عجلة التعليم مستمرة في دورانها، ومن هنا بدأ الجدل حول التعليم الإلكتروني لدى مجتمع المعلمين والطلاب فأصبح الكثير في حيرة من أمرهم وما الذي سيفعلونه؛ حتى نسي البعض أن من قبل الإلكتروني كان هناك تعليما، ثم ما لبثت الحقائق حول التعليم الإلكتروني تتكشف.
يعتقد كثير من المعلمين والعاملين في المجال التعليمي أن استخدام التكنولوجيا في التعليم هو ضمان لفهم الطالب، فإذا استخدمت التكنولوجيا لم تقبل أي نتيجة من الطالب إلا الفهم التام والمتعة العارمة، وهذا ليس بالأمر الصحيح ، إن التكنولوجيا لا تعدوا أن تكون وسيلة في يد المعلم وتحت تصرفه، فمن اللوحة السوداء إلى اللوحة الخضراء فالبيضاء فالذكية، لم يكن الطالب ليفهم درسه إلا من المعلم المبدع أولا ثم متمكن من مجاله ثانيا، فلم تكن المتعة إلا بتوظيف ذلك المعلم المبدع لما لديه من وسائل ووضْعها في مكانها وزمانها الصحيحين ؛كي لا تكون عبئا عليه ؛ ثم يبدأ يلوم نفسه ويلام على أنه لم ينجز مع الطلبة بالرغم من كم التكنولوجيا المتاحة في الفصل، ونسي اللائمون أو تناسوا أن السكين في يد الطفل تجرحه وفي يد الطباخ تحول الفواكه إلى تحف فنية تفضل النظر إليها على أكلها
عندما فرض الواقع على الجميع التوجه إلا التعليم عن بعد حار الكثير كيف يفعل وماذا يستخدم، بعيد لحظة تفاجئ الكثير بغزارة المنصات التعليمية حينها عادت بي الذاكرة إلى أيام خلت، ذات زمان كنت أبحث عن وسيلة تحبب طلبتي بعمل الواجبات المنزلية فاهتديت يومها إلى التعليم بواسطة الأجهزة اللوحية ولم تكن فرحتي بوابل الواجبات التي أصبحت تسطوا على لحظات فراغي بأكبر من فرحة الطلبة الذي وجدوا أنفسهم مع ما يعشقون من هذه المحمولات ، فما على المعلم والمدرب إلا أن يختار بين غرف غوغل الصفية أو حتى وثائق غوغل المتنوعة بل الجاهزة تماما فقط تنتظر أن يصب فيها العلم صبا، إضافة إلى مايكروسفت ٣٦٥، زوم، المصادر التعليمية المفتوحة من يوتيوب وفيس بك والمواقع التعليمية الاثرائية منها والتأسيسية، ليجد المعلم أن عمله الأكبر هو اختيار المنصة التي يريد والطريقة التي يفضل وهنا تكون فرحتنا عظيمة تماما بقدر حسرتنا على ما فرطنا في مسيرتنا التعليمية من عدم استخدام هذه الوسائط المعينة
ذكرت إليزابث فلنس (2010) أن متوسط تركيز الطلبة في الفصل من عشر إلى عشرين دقيقة، ما يعني أن على المعلم أن يكون مبدعا في فصله، فيجعل كل عشرين دقيقة (في أحسن الأحوال) فصلا جديدا، فلو قدم محاضرته كاملة من خلال الاتصال المرئي(منصات التعلم عن بعد) فإنه يجهد نفسه في ما لا طائل منه ولا فائدة، تشير الدراسات أن الطالب سيشغل نفسه بما هو أكثر متعة من صوت المعلم البعيد، سيما وأن المعلم قد وفر للطالب المبرر أمام والديه للجلوس بصحبة الجهاز.
هي المحاضرة القصيرة جدا قد لا تكون دقيقة بالوقت (ستون ثانية) فلا يمنع أن تكون دقيقة بأهدافها ومخرجاتها، تريح المعلم وتمتع الطالب وتحقق هدف التعليم الأسمى وهو تعلم الطالب شيئا جديدا يفيد منه ويفيد، ذلك أن العملية التعليمية التي كانت تعتمد على حشو الأدمغة قد انتهت، ولم يعد التعليم كتابا يجلس فيه الشيخ ليملي على الطلاب ما يفيض به عقله وتجود به قريحته، لقد أصبح التعليم في هذه الأيام تعليم المسارين وأنصاف المهام في شكل التعلم التكاملي، حيث أن المعلم يعطي الطالب مفاتيحا يمضي بها الطالب للوصول إلى المخرجات التعليمية المرجوة.
لقد كان المعلم منذ فجره يربب أوراقه على مقاس طلبته ومدرسته والمجتمع أو المحيط التعليمي الذي وجد فيه، ولكن في فضاء التعليم الإلكتروني أو الافتراضي أو التعليم عن بعد سمه ما تشاء، لم يعد لهذ الأسئلة مكان لم يعد المعلم يسأل كيف سيدرس الطلبة، فهذا سؤال يقرر الطلبة كيفية الجواب عنه كما لم يعد المعلم يسأل متى سيكون الدرس صباحا أم ليلا فقد كفاه الطلبة الإجابة فهو يعد المادة العلمية فقط ؛لأن الطلبة قد تفرقوا واختلفوا كل حسب الوضع التعليمي الذي اختاره لنفسه، إن كان يفضل التعلم الجماعي مع الأقران أم أنه يفضل الانفراد، فأسئلة من ومتى وكيف وأين أصبحت الترف أن تسأل في زمن التعلم الذي أخذ على عاتقه الوصول إلينا أينما كنا وكان.
ولعل ذلك قد مثل السهل الذي يحاول التمنع علي لولى مزيج ممارسة من المعلم ودربة مع قبول حسن من الطلبة لشيء رأوه مختلفا يمثل ميدانهم الذي يبدعون فيه (التكنولوجيا) ابداعا يفوقوننا فيه نحن معشر المعلمين مع إقرارنا بذاك، فكان علي أن أجري مقايضة ليس فيها خاسر بل يربح فيها الجميع أحقق فيها ما أريد (هدف التعلم) بالشيء الذي يعشقون (التكنولوجيا)
في التعليم عن بعد تتوزع الأدوار بالتساوي بخلاف الفصول الحقيقية التي قد يكون فيها للمعلم فضل سبق في المحتوى، بينما في التعلم عن بعد يحسن بالمعلم أن يقدم للطالب مفاتيح التعلم أو ما يعرف بالفعاليات الاثرائية للموضوع المدروس ويدع الغوص في أعماق الموضوع للطالب، فيكون هو من فكر وبحث وقرأ وحلل واستخلص ، وكل هذه الخطوات والمهارات كفيلة بنقل الطالب من مرحلة استهلاك المنتج الجاهز إلى إنتاج محتوى يكون أقرب للاستدعاء وقت الحاجة إليه، وأرسخ في الحافظة إذ أنه ليس من فئة الاستخدام لمرة واحدة فقط ؛فلا يفرغ الطالب ما كان في عقله في ورقة الاختبار ليصبح عقله بعد وابل الاختبار صلدا بل يكون جنة تؤتي أكلها كل حين
حدد فرنسوا غانيه تسعة فعاليات لابد من توافرها في المحتوى المعد للتعلم الذاتي التي نرى أنها مناسبة للاستئناس بها في اعداد محتوى التعلم عن بعد حيث يبدأ بجذب انتباه الطالب لما يراد تعلمه، ثم اخبار الطالب بأهداف التعلم حتى يكون مع معلمه البعيد على نفس المسار، ويقول غانيه لابد من استدعاء المخزون الأكاديمي للطالب مما سبق تعلمه لتكون تمهيدا لما هو آت، ثم يقدم المعلم المحتوى ويليه الارشادات التي توجه الطالب، ثم يستنتج المعلم ما يمكن أن يمارسه الطالب مع المحتوى من خلال التغذية الراجعة التي يحصل عليها من مخرجات تعلم الطلبة ، و ينتقل بعد ذلك إلى تقييم أداء الطالب وأخيرا تعزيز ما تعلمه الطالب من خلال تحويله إلى شيء عملي وهو الغاية الأسمى من العملية التعليمية.
دعوا الطلاب يحققون ما نريد كيفما يريدون
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.