شعار قسم مدونات

المؤامرة نظرية وليست هراء.. وهذا هو الدليل

blogs كورونا

هي أسهل طريقة لتفسير أعقد مسألة، ومن يتبناها تتضخم على صفحته "اللايكات"، ويتضاعف بعنف عدد "الفلوورز" على حسابه "التويتري"، هي باختصار حل سحري سريع للانتشار. نظرية المؤامرة ذلك العفريت التي يتلبس كثيرا من المحللين والكتاب "أعترف وأنا أكتب هذه المقالة أنني سأخسر كثيرا من اللايكات القليلة أصلا على صفحتي" لأنني سأسبح عكس التيار وسأعلنها صريحة: أنا لست من رواد نظرية المؤامرة، وسأشرح الأسباب.

 

"هناك شبيه لصدام حسين، بغداد لم تسقط بل هناك بغداد أخرى تحت بغداد، عبد الناصر لم يهزم في ٦٧ بل عمل خدعة لإسرائيل، هذا الرئيس ليس هو بل شبيهه، ابن لادن لم يمت بل يعيش الآن في البيت الأبيض، البغدادي اسمه جيمس رالي وهو أمريكي عميل مخابرات وليس عراقيا.. محمد مرسي لم يمت بل رفع إلى السماء وسيعود"… إلخ من أمثلة ما زال كثير من مروجيها ومحبيهما أحياء يرزقون.

 

ومهما اختلفت مرجعيات رواد تلك النظرية -علمانية يسارية أو إسلامية- فإنهم يتفقون على أمر واحد جامع وهو تغييب العقل، والإرادة، والتعامل على أن هناك حكومة خفية تدير العالم، وتخطط لكل شيء حتى حركة الشمس والقمر، لا أحد يستطيع أن يقف في وجهها حتى الله نفسه، هؤلاء في الغالب شعبويون، ليسوا مثقفين، ولا يقرؤون التاريخ، كما يجهلون الجغرافيا. عموما لا يفهم من المقال أعلاه أنه استهزاء، بل هو محاولة لتشخيص هذه الحالة وقراءة مسبباتها. وفي محاولة للفهم يبدو أن سلسلة الهزائم التي تعرض لها العربي والمسلم منذ سقوط الدولة العثمانية، قبل قرن من الزمان هي السبب الأبرز الذي يقف خلف ذلك، فسقوط الخلافة العثمانية بمؤامرات داخلية وخارجية، تسبب كذلك بمؤامرات كثيرة بقيت متجذرة في الذاكرة والوجدان.

 

عموما حتى لا نطيل، فإن كورونا فايروس ومرض مشكلته تتلخص في أنه معد، وأن لا علاج له حتى هذه اللحظة، وليس مؤامرة كونية ننوية ولا بيولوجية، فأعظم اقتصادين في العالم "أمريكا والصين" اكتويا بناره ولا يمكن أن يكونا قد أطلقا النار على خاصرتيهما

لكن ينبغي قراءة الأحداث بعمق ووعي، فسقوط الدولة العثمانية وإن حدث جراء تآمر داخلي غذّاه دعم خارجي، إلا أنه وبالضرورة توفر على أسباب أخرى ذاتية، وخلل بنيوي أصاب الدولة، سهل من نجاح خصومها في إنفاذ مؤامرتهم. ولو لم تكن السياسة سلسلة مؤامرات فماذا تكون؟ وحيث أننا في العالم العربي نتلقى الهزائم منذ أكثر من ١٠٠ عام، فمن غير المستغرب أن يتجذر في وعينا السياسي بأن كل العالم يتآمر علينا، بينما أو التفتنا قليلا إلى اليمين أو اليسار، سنرى أننا مشغولون في التآمر على بعضنا البعض أكثر من المتآمرين أنفسهم، ولو جلدنا الذات قليلا، لوجدنا أن شعوبنا العربية هي ذاتها تعاون الأنظمة المتآمرة في إنجاح مؤامراتها التي تستهدفهم في الأصل، وتستهدف مقدراتهم وحقهم في العيش الكريم، وقبل ذلك تستهدف حرياتهم.

 

ومع تفشي وباء كورونا، وبدلا من السعي ككل أمم الأرض بحثا عن ترياق أو علاج، تلبس كثير من العرب عفريت المؤامرة، فكورونا مؤامرة وليس فايروس، لكن لا أحد من منظري تلك النظرية يجيب عن سؤال المليون دولار من هو المتآمر؟ بداية قالو إنها أمريكا وإسرائيل، واليوم أمريكا تتصدر العالم في نسبة الإصابات فهل ممكن أنها تتآمر على نفسها؟ والسؤال الأهم للأذكياء من أصحاب نظرية المؤامرة إذا كانت أمريكا هي التي صنعت هذا المرض لماذا لم تصنع الترياق وتحتكره؟ أو تعطيه لمواطنيها المصابين على الأقل؟ وكيف لترمب أن يصنع مؤامرة تقوض فرص إعادة انتخابه؟ كما هوت باقتصاد بلاده؟

 

الإجابة حاضرة دوما ليست أمريكا هي التي صنعت المؤامرة بل الصين التي تظاهرت بأن مواطنيها يموتون بينما كانت تلك كاميرا خفية فقط حتى لا يتم الشك فيها، ثم قامت بنشر الفايروس في أمريكا؟ ولم يمت صيني واحد؟! رغم أن اقتصاد الصين يعاني حاله حال الاقتصاد الأمريكي، ونقلت كذلك وكالة بلومبيرغ تقريرا للاستخبارات الأمريكية يقول إن الصين لم تبلغ عن الأعداد الحقيقية للإصابات والوفيات جراء كورونا. عموما من أعجب نظريات المؤامرة أيضا التي سمعتها سابقا أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما كان ليّنا مع إيران ووقع معها اتفاقية متساهلة لأنه شيعي متدين واسمه: "بارك حسين أوباما"، ويروي المقتنعون بتلك الرواية بأن أوباما كان يمارس طقوسا شيعية كربلائية في مسقط رأسه بكينيا قبل أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية؟!

 

عموما حتى لا نطيل، فإن كورونا فايروس ومرض مشكلته تتلخص في أنه معد، وأن لا علاج له حتى هذه اللحظة، وليس مؤامرة كونية ننوية ولا بيولوجية، فأعظم اقتصادين في العالم "أمريكا والصين" اكتويا بناره ولا يمكن أن يكونا قد أطلقا النار على خاصرتيهما. وحتى لا نغرق في جلد أنفسنا دعوني أشير أخيرا إلى أن نظرية المؤامرة وإن كانت متفشية لدي العرب والمسلمين بشكل أكثر ومتجذرة بعمق في وعيهم ووجدنهم بسبب لحظة الهزيمة التي نعيش، فينبغي الإشارة إلى أنها عابرة للقارات، فهي مستمرة منذ أكثر من 100 عام على الأقل على حد قول "جو أوسينسكي، مؤلف كتاب "نظريات المؤامرة الأمريكية".

 

ويشير المؤلف أوسينسكي إلى أن :"كل شخص منا يؤمن بنظرية واحدة على الأقل أو ربما ببضع نظريات"، ويضيف: "والسبب بسيط، هناك عدد غير محدود من نظريات المؤامرة، وإذا كنا سنطلع عليها جميعها، فكل واحد منا سيرى نفسه مؤمناً بإحداها". وفي عام 2015، توصلت جامعة كامبرديج إلى أن أكثر من نصف البريطانيين وافقوا على الأقل على واحدة من قائمة تضم خمس نظريات مؤامرة، وكانت هذه النظريات تتراوح ما بين وجود مجموعة سرية تتحكم في الأحداث العالمية، إلى مجموعة أخرى تؤمن بالكائنات الفضائية.

 

الخلاصة التي أريد أن أنتهي إليها، أنني لا أقتنع بنظرية المؤامرة، باختصار لأنه لا يمكن إثبات صحتها، وأن من تتلبسه هذه النظرية تحوله لشخص عاجز وسلبي، وفاقد لحاسة الفعل، وأن مواجهة كورونا يكون بالعلم والعقل وإعادة العقول العربية المهاجرة، لا بالجيوش والحديد والنار، وبالضرورة ليس بتحضير الأرواح والارتهان لنظرية المؤامرة الكونية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.