على مدار عقود تنافس فيها الجمهوريون والديمقراطيون على إدارة البيت الأبيض، كان القاسم المشترك بين أقوى حزبين سياسيين في الولايات المتحدة، دعم دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولكن يبدو أن جائحة كورونا أضافت بنداً جديداً هو "عداء الصين"، فمن الآثار الجانبية لتفشي فيروس كورونا المستجد أن أصبحت الصين قضية مركزية في معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في شهر نوفمبر المقبل، ومن المتوقع أن تصبح ثاني أهم قضية بعد مسألة مكافحة الوباء والحد من تداعياته الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
ورغم حضور الصين في الانتخابات الرئاسية الماضية، فإن الأمر يتجاوز هذه المرة المخاوف التجارية التي أثارها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حملته الانتخابية السابقة، ويأخذ بعداً سياسياً أوسع نطاقاً، بل أكثر من ذلك، قد تكون الصين الجسر الذي يمكن الرئيس السابع والأربعين من الوصول إلى بيته الأبيض.
يدرك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جيداً أن فشل إدارته في التعامل مع جائحة كورونا من شأنه أن يقلل فرص إعادة انتخابه مرة ثانية، وأن الديمقراطيين سيعملون على استغلال ضعف الاستجابة للوباء، لتعزيز فرص فوزهم في السباق الرئاسي. لذلك عمد إلى توجيه سهامه نحو الصين، وسعى إلى تحشيد الرأي العام الأمريكي ضدها، لقطع الطريق أمام خصومه، وتبرئة ساحته تجنباً للمحاسبة والمساءلة.
ويمكن تلخيص الإستراتيجية التي اتبعها ترامب لممارسة الضغط على الصين في ثلاث نقاط: أولاً، اتهام السلطات الصينية بإخفاء المعلومات ومحاولة التستر على تفشي الفيروس. ثانياً، وصم كورونا بالفيروس الصيني، والادعاء بأنه تم تسريبه من معهد ووهان للفيروسات، ولم ينتقل إلى الإنسان عبر الحيوانات البرية. ثالثاً، التحريض على تحريك دعاوى قضائية ضد الصين باعتبارها المسؤول المباشر عن تفشي الوباء في العالم، ومطالبتها بدفع تعويضات للدول المتضررة.
وربما كانت الاستجابة الأبرز قيام ولاية ميزوري الأمريكية برفع دعوى قضائية ضد الحكومة الصينية تتهمها بأنها أخفت معلومات وأسكتت أشخاصاً حذروا من الفيروس في بداية ظهوره بمدينة ووهان، وهو الأمر الذي رفضته بكين واعتبرته ادعاء عبثياً يفتقر إلى الأساس القانوني، وقد نجحت هذه الاستراتيجية إلى حد بعيد في إثارة عداء شريحة كبيرة من المجتمع الأمريكي للصين، خصوصاً وأنها أوجدت توافقاً غير مسبوق بين الجمهوريين والديمقراطيين، هذا التوافق يشير إلى أن عداء الصين سيشكل الإطار الذي ستجرى فيه الانتخابات الرئاسية المقبلة.
شهدت الأيام الماضية اتهامات متبادلة بين جو بادين المرشح الديمقراطي، والرئيس الحالي دونالد ترامب، بشأن العلاقة مع الصين، حيث اتهم بادين ترامب باللين في تعامله مع السلطات الصينية، بسبب إشادته بإدارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لأزمة كورونا، وإرسال إمدادات طبية إلى بؤرة الوباء في وقت تعاني فيه الولايات المتحدة من نقص حاد في المستلزمات الطبية.
فيما عمد أنصار ترامب إلى تشويه صورة بايدن واتهموه بأنه صديق قديم للصين، واستخدموا في ذلك شريطاً مصوراً يظهر عضو مجلس الشيوخ الأمريكي مع قيادات من الحزب الشيوعي الصيني، كما نشروا تصريحات سابقة لبدين وهو ينتقد قرار ترامب تعليق دخول غير الأمريكيين القادمين من الصين إلى البلاد في شهر يناير الماضي.
ورغم انكشاف الهجمة التي يشنها ترامب ضد الصين، فإن اللافت هو تورط الديمقراطيين في هذه اللعبة، إذ يبدو أن هناك قناعة لدى الحزبين بأن إظهار الحزم ضد الصين في هذه المرحلة له مكاسب سياسية كبيرة قد تفضي إلى كرسي الرئاسة، لذلك يحاول كل منهما إظهار أن الجانب الآخر هو الأضعف تجاه الصين، لكسب الأصوات في المعركة الانتخابية المقبلة.
لربما نجح الطرفان في تحشيد الرأي العام ضد الصين وتصويرها بأنها المسؤولة الأولى عن تفشي فيروس كورونا في العالم، ولكن لا تزال شريحة كبيرة من الأمريكيين تؤمن بأن ما يهم الآن في ظل تلاطم أمواج الوباء، ليس الرئيس الأكثر صرامة مع الصين، بل الأكثر كفاءة في إدارة الأزمة والعبور بالبلاد إلى بر آمن.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.