شعار قسم مدونات

نحن والأبجدية في مواجهة الحياة..!

blogs تأمل

"إن السعادة تنتقل بالعدوى.. لا تنتظر عدوى أحد.. كن حاملاً لهذا الميكروب"
– أنيس منصور

أنتم، وأنا، هؤلاء، أولئك، تلك، نحن، من سيرحلون ومن سيأتون بعدهم، من رحلوا والذين يشدون الرحال، وغيرنا الكثير. ما زلت حتى اليوم أقف منبهرة أشعر بسعادة جارفة كطفلة لا تفقه شيء مما حولها سوى ذلك العنصر الذي أصابها بفيض من الانبهار اللذيذ صوب اللغة واللون، الوزن والقافية الأداء واللحن وغيرها، ثم بمرور الوقت أكتشفت أننا نملك أبجدية واحدة لكن القواعد تتغير النسق يتحول ويَتحور ويتطور بأساليب متعددة وبأفكار ذكية لا يمكن أن تقف أمامها إلا وتتمنى بكل أنانية أن تكون جزءًا من ذلك النص أو تلك المخطوطة، أو هامش في كتاب!

هل جربتم ذلك الشعور؟! أجزم أنكم فعلتم أو مررتم بهِ على الأقل لمرة مرتين أو أكثر، أو ربما أنتم من هؤلاء المترفين المحظوظين وكنتم تصنعون من الأبجدية إبداع على نحو خاص. أود أن أشير إلى القصد مما سبق ليس فعل الكتابة فحسب، الكتابة نهرٌ يجري في عالم من اللغات حول العالم. لنتفق أن لكلًا منا أبجديتهُ إنها المبادئ، والقيم والأفكار تتخذ أساليب متنوعة ومختلفة التي تشكل في آخر الأمر شخصية وكيان الفرد، وتحدد مشاعرنا وتمنحنا شرعية في التواصل مع من حولنا وعكس صورة نحن نحددها تليق بنا وتشبهنا وتشبع شعور النرجسية داخلنا.

ينتظرون الوقت المناسب، الفرصة المناسبة، المستقبل الذي يحمل لهم حياة تبدو أشبه بأمنية محبوسة خلف قضبان الحقيقة، والواقع سجان ظالم لا يرحم، والأمنيات مذنبة حُكم عليها بسجن المؤبد

بالحروف الثمانية والعشرون يمكنني أن أكتب عدد لا محدود من الجمل والكلمات والمعاني والأوصاف والخيالات وأسرد أحلام وكوابيس. بالأبجدية الشخصية يمكنني رسم لوحة وتلوينها ورسم آخرى والإستمرار في الرسم وتحديد وتأطير اللوحات بما يحلو لي ويعجبني، ويمكنني التوقف عن ذلك والقيام بشيء آخر كأن احرثٌ أرضًا وأزرعها، أمارس التأمل وأخصص وقتًا داخل فضاء من السكينة والسكون للصلاة والخلوة مع النفس والرب.

في الآخر إنها أبجديتي التي بإمكاني جعلها كيفما شأت لكنها لن تحكمني أنا من احكمها لتعكس صورة أود أن يراها الآخرون عني. كيف بالإمكان أن أُسخر الزمان والمكان والإبداع في سبيل صناعة لغة بعد أن اكتشفت أبجديتي بعدما حددت أهدافي ورسمت الخطوط الحمراء حول أهم أفكاري، متى سيكون بإمكاني أن أخبر من حولي عما أمتلك من قدرات تمكنني من تحقيق ذلك التفرد الذي طالما تكلموا عنه من دون جدوى، فقط ممارسة الحلم بأنهم ذات يوم قد يكونوا جزءًا منه!

ينتظرون الوقت المناسب، الفرصة المناسبة، المستقبل الذي يحمل لهم حياة تبدو أشبه بأمنية محبوسة خلف قضبان الحقيقة، والواقع سجان ظالم لا يرحم، والأمنيات مذنبة حُكم عليها بسجن المؤبد. جميعنا نستطيع السير نحو تحرير أفكارنا خارج أرض الأحلام بمباركةِ الناس أو من دون مباركتهم، بإعجابهم الذي يشبع غرورنا ومن دون إعجابهم لأننا سنتخذ لغة غير مفهومة بالنسبة لهم، من يشاركك الأبجدية ليس شرطًا أن يفهم اللغة التي تستخدمها، وهكذا هي الحياة تمامًا.

اللغة التي يضعها الإنسان لنفسهُ سوف تلازمهُ طوال العمر، هنالك من يتبنى لغة التهديد والغضب للحصول على مبتغاه، وهنالك من يأخذ اللغة على محمل الثقة ومن خلالها يحاول أن يعمل يفكر يسافر أو يبقى شاخصًا أمام فكرة لزمن طويل يسعى لإكتشافها، لكنهُ ليس تعيس كما يعتقد الكثير هو يشعر بالرضا التام نحو الحياة التي يعيش وقد لا يفهم معاني اللغة التي يعيش عليها سواه!

وهل ذلك صواب؟! أن لا يفهمك أحد؛ في الحقيقة لا أدعي العلم بالأجوبة الفلسفية ولكن بلا شك أن الكثير منا وإن لم تبدو ظاهرة عليهم أعراض لغتهم الخاصة التي يتبنونها لكنهم يعيش على أساسها لا يأبهون إن كان ذلك شديد الوضوح أو الغموض للغير، لكن السعادة التي يشعرون بها بعد كل رحلة جديدة برفقة اللغة كفيلة بأن تجعلهم يكتسبون مناعة ضد النقد القادم من كل صوب. جميعنا نملك أبجدية خاصة بإمكاننا أن نقيم عليها لغة خاصة بنا نعيش من خلالها ونتعاطى مع الحياة وما فيها، لغتنا لا تقتصر على الكتابة والكلام، فالإنفعال لغة والإبتسامة والصمت الهدوء والغضب، الفن الإبداع الألوان الحركة الهروب والبقاء جميعها لغات نستخدمها لنكون نحن.. نحن أبجدية تصنع لغة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.